ضرب الإسكندرية في ١١ يوليو
هذا الكتاب «ضرب الإسكندرية» هو ما أرَّخ به «عباس محمود العقاد» ليوم ١١ يوليو عام ١٨٨٢م، يوم ضُربت الإسكندرية بمدافع البحرية الإنجليزية، أثناء اندلاع الثورة العُرابية التي كانت ذريعة هذا العدوان، ومقدمات هذا التدخل، وكذلك تناول الامتيازات الأجنبية والديون، وما جلبته لمصر من تدخلات في شئونها دامت لعهود. كما بيَّن ما تُمثله قناة السويس من أهمية سياسية واقتصادية لدول الاستعمار القديم والحديث، وتعرض العقاد لما عاناه المصريون من حرمان وتهميش لصالح الأجانب، ولا سيما من الوظائف العامة. واستطاع «العقاد» أن يضع القارئ في قلب حدث هام أعقب ثورة كان قائدها أحد رموز الحركة الوطنية المصرية؛ هو «أحمد عرابي».نظام الأتينيين
ما من أحدٍ يشكُّ في أن الحضارة اليونانية شكَّلت مهد الفكر السياسي، وأنها استطاعت بما وعته من تجارب أن تكون ملمَّةً بالعديد من النظم السياسية، وكان لكل مدينةٍ في اليونان نظامها الخاصُّ الذي أرتأته صالحًا لها. وتعددت تلك الأنظمة بين ديمقراطية، وملكية، وأرستقراطية، وأليجراكية، وغيرها. وهنا يرصد «أرسطو» النظم التي تتابعت على «أثينا» (المدينة اليونانية التي خرج منها نور الحضارة) حتى عام ٤٠٣ قبل الميلاد، كما يستعرض أداء مؤسسات الدولة، وشروط الحصول على المواطنة. وترجع أهمية ترجمة «طه حسين» لهذا الكتاب إلى العربية إلى كونه وثيقة هامة للفكر السياسيِّ الذي كان سائدًا في العصور القديمة، تؤكِّد على أن النظم ليست جيدةً أو سيئةً بذاتها، ولكن تطبيقها هو ما يجعلها عادلةً أو غير عادلة.السودان المصري ومطامع السياسة البريطانية
يُجلي لنا هذا الكتاب ما دار في أروقة الدهاليز السياسية البريطانية إزاء السودان، ولا يرمي الكاتب إلى سرد الواقع التاريخي لبلاد السودان؛ بل يهدف إلى إيضاح المساعي السياسية والاستعمارية التي دأبت بريطانيا على تحقيقها في بلاد السودان وفقًا لسياسة الذئب الذي لا يُحاور الحَمَلَ، ويوضح لنا الكاتب الأهمية السياسية والاستراتيجية التي تمثلها السودان باعتبارها شريان الحياة بالنسبة لمصر؛ لأنها منبع النيل، ويُبرز لنا الكاتب كيف استطاعت بريطانيا أن تستنزف كل المقدَّرات الاقتصادية للسودان عن طريق الاستيلاء على ثرواتها من المعادن النفيسة بمقتضى اتفاقيات ومبادرات أثارت لهيب الجدل القانوني حول مدى شرعيتها، كما يوضح كيف استطاعت بريطانيا أن تعمِّق جذورها الاستعمارية في مصر والسودان بذريعة الاضطرابات السياسية والمالية في مصر، والثورة المَهْدِيَّةِ في السودان، ويختتم الكاتب جولته السياسية في السودان بالحديث عن السياسة الفيدرالية التي انتهجتها بريطانيا من أجل فصل الروح الاستراتيجية التي تمثلها السودان عن جسد الدولة المصرية.الكتاب الأسود في العهد الأسود
تقدَّمَ مكرم عبيد بعريضة على شكل استجوابٍ طَرَحَه في مجلس النواب، هذه العريضة شكَّلَتْ نواةً لموضوعِ هذا الكتاب الذي يروي فيه مكرم عبيد ما اعتبره مصائب وفضائح حدَثَتْ في حزب الوفد، وقد مكَّنَهُ منصبه كوزيرٍ للمالية في وزارة النحاس باشا الوفدية، من الاطلاع على وثائق سرِّية تُثْبِت وجود فساد كبير داخل وزارة النحاس باشا، وقد فُصِلَ مكرم عبيد من المجلس بعد ثلاثة أيام فقط من طَرْح ذلك الاستجواب واعْتُقِلَ بعد ذلك على إثره، إلا أن هذا الكتاب كان بمثابة المعول الذي هَزَّ أركان الفساد السياسي، ومهَّدَ بعد ذلك للتطهير الشامل وبداية عهد جديد.المسألة الحبشية
كتاب «المسألة الحبشية» هو مؤلَّفٌ شامل تعرَّض بالرصد والدراسة لكل ما اتصل بالحبشة؛ فاشتمل على توصيفٍ جغرافي وسياسي لأرض الحبشة ونظام حكمها، وقدَّم بالتفصيل تاريخ الحبشة قديمًا وحديثًا، متعرضًا لعادات أهلها، ولغاتهم، وعلاقاتهم الاجتماعية، ومكانة المرأة في المجتمع الحبشي، مع رصدٍ لقبائلها وللممالك المتعاقبة فيها، والحروبِ التي دخلتها على مدار تاريخها، كما فصَّل المؤلف مسائل خاصة بالحبشة؛ مثل: تجارة العبيد فيها، وتجارة السلاح، والاكتشافات الحبشية، فضلًا عن دراسة وافية لتاريخ المسألة الحبشية حتى أكتوبر ١٩٣٥م.المسألة الهندية
درج التعامل في التراث الفكري الغربي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين مع الإشكاليات الاجتماعية والحضارية للآخر من خلال مصطلح «المسألة»، فنجد مثلًا ما يسمى بـ«المسألة الشرقية» و«المسألة اليهودية» و«المسألة الحبشية»، وهو مصطلح يشير إلى الظاهرة، باعتبارها إشكالًا يقع خارج الذَّات الغربية، ولكنه يتصل بمصالحها الاستعمارية أو مشاكلها الداخلية. وقد تأثَّر المؤرخون غيرُ الغربيين بهذا المصطلح في كتاباتهم التاريخية — ومن بينهم عبد الله حسين — الذي جاء مؤَلَّفُه تحت عنوان «المسألة الهندية»، وهو مؤَلَّف يعرض فيه عرضًا تاريخيًا للهند القديمة وكتبها المقدسة ومنبوذيها والحكم الإسلامي فيها، وعهد الشركات الأجنبية، كما يعرض لإقامة الإمبراطورية البريطانية في الهند، والمقترحات البريطانية للحكم الذاتي.المسألة اليهودية
يتناول «عبد الله حسين» في كتابه تاريخَ اليهود منذ نشأتهم حتى صاروا دولة؛ فتحدَّث عن أصلهم ولغاتهم وديانتهم وتوراتهم. كما بحث في عاداتهم الاجتماعية كالختان، وبعض عاداتهم الدينية كالأعياد والرهبنة. وفي الجانب الاقتصادي أبرَزَ تفوُّقَهم في مجال التجارة والإقراض. كما بيَّن ما تعرَّضوا له من اضطهاد في إنجلترا وألمانيا وروسيا. وقد خصَّص نصف كتابه للحديث عن نشأة الوطن القومي لليهود بفلسطين، ابتداءً من نشأة الصهيونية، مرورًا بتصريح «بلفور» وأثره عربيًّا وعالميًّا، والدور الذي لعبته بريطانيا في ذلك منذ فرض الانتداب على فلسطين، وما تلاه من الكتب البيضاء: الأول والثاني والثالث، وما ارتكبه اليهود من تجاوزات في حق الشعب الفلسطيني منذ ذلك الوقت، وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ حيث اتسعت خطواتهم من أجل إنشاء وطنهم المأمول.روح السياسة
هو كتاب اجتماعي عُنِيَ فيه «غوستاف لوبون» بالحديث عن الروح السياسية للجماعات باعتبارها قاطرة الحياة الفكرية التي تقود معارك الجماعات في كافَّة الميادين الإنسانية الأخرى؛ كالميدان الاقتصادي والعسكري والاجتماعي، وقد تحدَّث الكاتب في هذا الكتاب عن مجموعة من القضايا المحورية أبرزها حديثه عن مدى استبداد الأنظمة القمعية، وعن رفض التيارات الاشتراكية الأوروبية — آنذاك — لاحتكار الحركات الرأسمالية لمُقَدرات الحُكم، وينتقل الكاتب بعد ذلك إلى البحث في النتائج المترتبة على تطبيق مناهج التربية الأوروبية على الشعوب المتأخرة، ويتحدث أيضًا عن النَّهج الاستعماري لدول أوروبا التي تستبيح مقدرات الشعوب بشرعية الوهم الذي تسميه الحرية موضحًا عددًا من جرائم القتل السياسي وصور التعصب والاضطهاد الديني التي تُوصَمُ بها بعض المجتمعات.الصهيونية العالمية
تَطرُق كلمة «الصهيونية» أسماعنا بشكل مُتكرر في وسائل الإعلام المختلفة، فتبدو كيانًا أسطوريًّا غامضًا لا سبيل لمواجهته. وفي هذا الكتاب يقدم العقاد (مدعمًا بالأسانيد العلمية) دراسة موجزة عن ماهية الصهيونية كحركة سرية عملت تحت الأرض منذ نشأتها، متتبعًا مسارها عبر التاريخ حتى قيام دولتها بفلسطين. فيمضي في كشف أكاذيبها وادعاءاتها؛ كأكذوبة تفوُّق الشعب اليهودي على سائر الأمم، ودعوى اضطهاد اليهود التي كانت الصهيونية نفسها سببًا فيه بالكثير من أفعالها وأفكارها العنصرية، وأيضًا بالعزلة الإجبارية التي فرضتها على اليهود عن باقي المجتمعات. كما يكشف كذلك أساليب ومكائد الصهيونية ضد المجتمعات التي جاورت أو احتوت اليهود. ليختتم العقاد دراسته الموجزة برؤيته لمستقبل الصهيونية والتحديات التي تواجه دولتها العنصرية «إسرائيل» من مشكلات داخلية وخارجية.طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
عاش عبد الرحمن الكواكبي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهي فترة عانت الأمم العربية فيها الكثير من الضعف والهوان، فهمَّ المستعمِر بها يغتصب أراضيها، ويستنزف مواردها، وقد شخص عبد الرحمن الكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» سبب هذا الداء الذي رآه يتمثل في الاستبداد السياسي، بأنواعه الكثيرة، ومنها استبداد الجهل على العلم، و استبداد النفس على العقل، فهو يقول: إن الله خلق الإنسان حرّا، قائده العقل، فكفر وأبى إلا أن يكون عبدًا قائده الجهل، و يرى إن المستبد فرد عاجز، لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه أعداء العدل وأنصار الجور، وأن تراكم الثروات المفرطة، مولِّدٌ للاستبداد، ومضرٌ بأخلاق الأفراد، وأن الاستبداد أصل لكل فساد، فيجد أن الشورى الدستورية هي دواؤه.الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة
هذا الكتاب يحكي قصة أول انقلاب دستوري من نوعه في أوائل القرن العشرين، الانقلابِ السلمي الذي وضع حدًّا لحكومة استبدادية فاسدة، وأجبر السلطان العثماني عام ١٩٠٨م على النزول على رغبة الجماهير التي هتفت: «إما الحرية، وإما الموت»، ولم تمر سوى أيام قليلة حتى صدر مرسوم سلطاني بالعمل بالدستور الذي أعده الانقلابيون بأنفسهم، وذلك في تحول تاريخي مهم أعاد الأمور إلى نصابها، وهيأ المناخ للحرية دون أن تراق نقطة دم واحدة. والمؤلف محمد روحي الخالدي من موقعه كمؤسس وفاعل رئيسي في جمعية «الاتحاد والترقي»، التي قادت الانقلاب الدستوري العثماني؛ يعرض في كتابه الذي بين أيدينا للأجواء الفكرية والسياسية التي أدت إلى الانقلاب كنتيجة لا بدَّ منها لغياب العدالة، ويوثق توثيقًا دقيقًا ومفصَّلًا لتلك المرحلة الحاسمة من تاريخ الدولة العثمانية.الاشتراكية
إن لكل عصر بنيته الخاصة التي يتشكل منها نظامهُ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فإذا نظرنا إلى العصر الأوروبي الوسيط وجدنا أن جوهرهُ يتجلى في المسيحية الكاثوليكية، التي كانت مدعومةً سياسيًا من الكنيسة، واقتصاديًا من النظام الإقطاعي، إلا أنه هذه البنية سرعان ما أصابها التحلل والتفكك نتيجة لظروف متعلقة بتدهور الحياة السياسية والاقتصادية، حيث انخرطت الكنيسة في الصراع السياسي مع الإمبراطورية، وابتعدت عن دورها الوعظي الإرشادي، كما اتسعت الفجوة الاقتصادية بين الطبقة الأرستقراطية الممثلة في النبلاء ورجال الدين وبين العامة من الشعب. لذلك جاء الفكر الرأسمالي البرجوازي ليثور على هذه الأوضاع، بحيث تم القضاء على النظام الإقطاعي بسبب تغير نمط الإنتاج بتصاعد معدلات حركة التجارة، واكتشاف جبال الذهب والفضة في أمريكا الجنوبية، وبداية الثورة الصناعية، وملكية وسائل الإنتاج. وعلى الصعيد السياسي تحللت البنية السياسية وأصبحت الدولة هي الوحدة الأساسية للوجود السياسي بدلًا من الوجود الإمبراطوري. ولكن يكشف التطور الفكري للأيديولوجية البرجوازية الرأسمالية أنها تحولت (على مدار ثلاثة قرون) من فكر ثوري إصلاحي، إلى فكر محافظ تقليدي، هدفه الأول الحفاظ على المكاسب والمصالح التي حققتها الطبقة الرأسمالية، حتى لوكان في ذلك استغلالًا للطبقة العاملة. لذلك جاء الفكر الاشتراكي ليلعب مع الرأسمالية ذات الدور التاريخي الثوري الذي لعبته هي ضد الطبقة الأرسقراطية. ومن الجدير بالذكر أن تحمس سلامة موسى في هذا الكتاب للأيديولوجية الاشتراكية يظهر إلى أي مدى كان تأثير المركزية الأوروبية حاضر بقوة في عقول النخبة المثقفة في العالم الثالث، بحيث لا ترى ذاتها الحضارية، ولا وجودها المتعين، إلا من خلال الخبرة الحضارية الأوروبية.الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
يتناول هذا الكتاب موضوعين رئيسيين؛ أولهما يتعلَّق بالمبادئ العامة لنظام الحكم، وكيف لها أن تتَّفق مع مقرَّرات الدين الإسلامي، وبيان أشكال علاقة الحاكم بالمحكوم، وآليات الرقابة على الحاكم، والوسائل المختلفة التي تكفل الحرية في هذا الإطار. أمَّا الموضوع الثاني؛ فيتعلَّق بالأماكن المقدَّسة الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، حيث يصفها الدكتور «محمد حسين هيكل»، ويُبيِّن أثرها الروحيَّ على العالم. ويكتسب هذا الكتاب أهمية إضافية؛ حيث إن مؤلفه رجل من رجال الحركة السياسيَّة المصريَّة الأفذاذ، والذين تقلَّدوا مناصب رفيعة داخل مصر وخارجها، وقدَّموا لبلادهم خدمات جليلة على صعيد العمل السياسيِّ والفكريِّ خلال النصف الأول من القرن العشرين.الأمير
كان «موسوليني» لا ينام حتى يقرأ كتاب الأمير لـ «ماكيافيلي»، وقيل: إن «نابليون» و«هتلر» كانا يتَّخذانه مرجعًا لسياساتهم؛ ويرجع ذلك لما للكتاب من مكانة لم ينلها غيره. والكتاب يُقدِّم نظريات في الحكم والإمارة، ويجيب على أسئلة لطالما شغلت بال الحُكَّام والأُمراء، مثل؛ كيف تُحْكَمُ البلاد الموروثة؟ وما هي أنواع السلطة وكيف تحصُل عليها؟ وكيف يملك الزعيم شعبه؟ وكيف حُكمت الإمارات الدينية والمدنية؟ وأثار الكتاب جدلاً واسعًا حيث انتقده الكثير وعدُّوهُ تحريضـًا على قهر الشعوب وإذلالها، في حين اعتبره آخرون دليلاً للناس على مواطن الغدر وصنوف الخداع التي يسلكها الأمراء ضد شعوبهم. وقد أهداه المؤلف إلى الأمير الإيطالي «لورنزو دي مديتشي».من الجراب
يضع لنا مارون عبود في كتابه «من الجراب» أسُس بناء دولة جديدة، بعدما حصلت لبنان على استقلالها. فقد خرج المحتل وعلى شعبها الآن إعادة بناء ما قضى عليه الاستعمار؛ لذا يناقش مارون كل القضايا المتعلقة ببناء الوطن، ومن بين هذه القضايا «الانتخابات البرلمانية»، حيث يضع أسُس انتخاب النواب، ودورهم في تحسين حياة الشعب الذي انتخبهم، كما لم يعترض مارون حق المرأة في الترشح. وأشار إلى ضرورة الاهتمام بالصحة العامة من خلال العناية بكليات الطب وزيادة مخصصات التعليم بصفة عامة. وناقش أيضًا مشكلة توريث المناصب وطريقة اختيار الموظفين، حيث يتم اختيار الأكفأ والابتعاد عن الوساطة؛ أي أنه قدم وصفة لبناء الدولة، وكان شعاره في ذلك: نريد أن نبني وطنًا يكون لنا فيه بيت، لا أن نبني بيتًا يكون لنا وطنًا.اللاسلطوية
عادةً ما تستحضر كلمة «اللاسلطوية» في الذهن صورًا للاحتجاج العنيف ضد الحكومات، ومؤخرًا أصبحت تستحضر صورًا للمظاهرات الغاضبة ضد كيانات على غرار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لكن هل اللاسلطوية مرتبطة حتمًا بالفوضى والاضطرابات العنيفة؟ وهل اللاسلطويون ملتزمون بأيديولوجية متسقة؟ وما مفهوم اللاسلطوية تحديدًا؟روح الشرائع
لم يدرس أحد القانون في عصر النهضة الأوروبي على هذا النحو الدقيق والمدهش في وضوحه وجرأته ونفاذ بصيرته سوى مونتسكيو، فقد شرح في كتابه «روح الشرائع» نظم الحكم المعروفة، وانتقدها مفرقًا بين أنواعها: المَلَكيَّة وفيها يرث الحاكم السلطة ممن يسبقه؛ والديكتاتورية وفيها يرجع الحكم للحاكم وحده دون حدود قانونية، ودائمًا ما يُثبِّت أركان حكمه بإرهاب المواطنين المدنيين؛ وثالث هذه الأنظمة الجمهورية وهو نظام يحكم فيه الشعب من خلال ممثلين يختارهم وفق آلية تضمن قدرته على عزلهم وحسابهم، والجمهورية هو نظام الحكم الأمثل من وجهة نظر مونتسكيو. ذلك أن أي نظام للحكم ينبغي أن يسعى لضمان حرية الإنسان، ومن أجل ذلك يجب الفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، وأيضًا الحفاظ على التوازن بينها. ويعيد مونتسكيو في كتابه تعريف الفضيلة والشرف، إذ يضع هذه المعاني في إطار الجمهورية ويرهن معناها بالسياسة. «الفضيلة» عنده في الجمهورية تعني حب الوطن، أي حب المساواة؛ إنها ليست فضيلة خلقية، بل سياسية.كتاب الثورات
تظل الحرية مطلبًا إنسانيًّا غاليًا يُبذل من أجله الجهد والمال والدم. يضيق الأحرار بالقيود ويستفزُّهم الاضطهاد والظلم فتنفجر ثورتهم ويلتف حولها الشعب، ويعتنقون بفلسفتها التي صاغها الحكماء من الأدباء والمفكرين والسياسيين أو من نسميهم بالنُّخبة. يحكي «سلامة موسى» في هذا الكتاب أسفارًا من تاريخ سعي الإنسان للعدل والحرية من خلال تتبع الثورات الكبرى منذ ثورة العبيد في روما قبل الميلاد مرورًا بالثورتين الفرنسية والروسية، ووصولًا لثورة يوليو المصرية، حيث كان لهذه الثورات فضل في إقرار الدساتير وإرساء مبادئ المساواة بين البشر وإعلان سيادة الشعوب واستقلالها. ويقدم موسى هنا تحليلًا سريعًا لأسباب نجاح وفشل الثورات، كما يشير إلى التغيرات التي تُحْدِثها في ثقافة واقتصاد المجتمعات.الحكم المطلق في القرن العشرين
كانت الديمقراطية في بداية القرن العشرين نظامًا سياسيًّا وليدًا انطلق ينزع القداسة المزعومة من الحُكَّام المُطلقين الدكتاتوريين، ويعطي الشعوب الحق في حكم نفسها. ويقول العقاد إن المبالغة في الحماسة للديمقراطية الوليدة جعلت البعض يخيب أمله فيها عندما لم تُحقِّق حلولًا سريعة للبلدان التي فيها، ومن ثَمَّ تغلبت عليها قوى الرجعية التي كانت تطمَح للعودة وإرجاع الأنظمة القديمة؛ لذلك انطلقت تلك القوى تنتقد فكرة الديمقراطية ذاتها، وتُروِّج لفشلها. ولكن العقاد يؤكد أن الديمقراطية لم تفشل، بل إنها فقط لها عيوب ناتجة عن عيوب الطبيعة الإنسانية ذاتها، كما يقدم نماذجَ لبعض الدول الأوروبية التي تمسَّكت بالدكتاتورية، ونبذت الديمقراطية «آنذاك»، ويبين أسباب وخصوصية وضع تلك الدول سياسيًّا واجتماعيًّا؛ ليختتم في النهاية كتابه فيطالبنا بالتريُّث في الحكم على الديمقراطية الوليدة كنظام سياسي جديد.ابن الشعب
«ابن الشعب» هي مسرحية تمثيلية سياسية غرامية تتجلى فيها سطوة إخضاع القيم والمثل الشريفة إلى صولجان السلطة. ويجسد هذا المعنى بطل هذه القصة «ريشار» ذلك الفتى الطامح إلى علياء السلطة، ولكن تَعَلُّق الفتى الغَرِيْر يختلف عن تَعَلُّق السياسي البصير. إن ريشار كان يطمح إلى تقلُّد منصب نائب في المجلس الإنجليزي، طموحًا آزرته أفئدة الشعب الذي أحبه؛ لأنه كان دائم التصدي للسياسة التي ينتهجها مجلس الوزراء الإنجليزي— آنذاك— فأكسبه النضال ضد فسادها شخصية الزعامة التى أذْكَتْهَا جذوة النضال، والسبب الآخر أن طموحه لاعتلاء هذا المنصب كان طموحًا منزَّهًا عن الأغراض؛ ولكن سرعان ما تُوْأَد المبادئ في قبور المطامع السياسية، فقد أغراه بريق المنصب فدفعه إلى التخلي عن زوجته «جاني» التي استبدلها «بميس ويلمور» لكي يرتقي إلى منصبٍ سياسي أعلى. وفي النهاية فقد حبيبته «جاني» باسم شرعية الطموح السياسي.قبل انفجار البركان
أدرك «مارون عبود» الأوضاع السياسية السيئة التي مرت بها لبنان خلال النصف الأول من القرن الماضي؛ حيث ناقشها وصاغها في أسلوب أدبي بديع، لا يخلو من نقد بنَّاء للأوضاع السياسية. حيث ناقش قضايا عدة من أهمها؛ تعديل الدستور كي يتلاءم مع الحقبة الجديدة من تاريخ لبنان، كذلك محاربة الطائفية التى عصفت كثيرًا بهذا البلد، وأثرت سلبًا على مستقبله، كما ناقش المشكلات الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تلك الفترة؛ محذرًا من عمليات بيع وشراء الأصوات. فقد قالها واضحة إن لبنان تحتاج إلي تطهير، وناقش أيضًا عدة مشكلات اجتماعية واقتصادية منها العناية بالحق العام، والميزانية العامة للدولة، والأوقاف وزيادة المعاشات، وعالج أيضًا مشكلة تجنيد النساء الذي تقوم به إسرائيل، داعيًا المرأة العربية إلي خدمة بلدها عن طريق خدمة منزلها، وأن تترك ميدان القتال للرجال. تلك صورة حية عن لبنان في منتصف القرن العشرين.لا شيوعية ولا استعمار
مَثَّلَ «الاستعمار» مرحلةً هامةً من مراحل التاريخ السياسي طوال القرنين السابقين؛ حيث سيطرت الدول الأكثر تقدُّمًا على الشعوب التي اعتبروها مُتخلِّفة، مدَّعِين أن هدفهم هو الأخذ بيد تلك الشعوب من أجل نهضتها ورُقِيِّها، وكذلك حق الرجل الأبيض في السيطرة. وفي نهاية الأمر أصبحت نظرية الاستعمار في طيِّ النسيان، وانتهى مدلولها تمامًا، وإنْ ظلَّتْ آثارها حتى اليوم. أما مصطلح «الشيوعية» فقد لمع في القرن العشرين؛ وهو يُعَدُّ واحدًا من أكثر المصطلحات جذبًا للانتباه وإثارةً للجدل؛ الأمر الذي أدَّى إلى انقسام العالم إلى نصفين. وقد توقَّعَ العقاد أن مصير الشيوعية لن يختلف عن مصير الاستعمار. ويؤكد العقاد في كتابه أن موقف الشرقين واضح، وهو أنهم يرفضون الشيوعية والاستعمار.تكوين مصر
حرصت «مصر» منذ فجر التاريخ على توطيد علاقتها بالمجتمعات الكبرى؛ فأثَّرت فيها وتأثَّرت بها، لا سيما وأن التغير الاجتماعي الذي طرأ عليها في مختلف العصور كان كفيلًا بإكسابِها قدرةً على الصمود في وجه تحديات وعوائق حركتي التاريخ والجغرافيا السكانية. ويرى المؤلف في هذا الكتاب أن التفاعل الحادث بين مبدأ الثبات ومبدأ التغيير في المجتمعات هو الذي يصنع التاريخ. ونستطيع أن نقول: إن الكاتب هنا وضع يده على مفاتِيح الشخصية المصرية بعناية، فبرغم ما أورده من موضوعات متفرِّقة الأفكار، إلا أنها تترابط في مضمونها؛ لتبرز لنا معالم وطن كبير، ضرب بجذوره في أعماق التاريخ، وهذا ما جعل الكاتب يقرر أن مصر هي «هبة المصريين»، وليست هبة النيل كما قال «هيرودوت» قديمًا.حياة الشرق
لا شك في أن العالم الإسلامي يُعاني العديد من عوامل التدهور والانْحِطاط، التي جعلته يتخلف عن ركب الحضارة الغربية. وقد أدرك هذا «محمد لطفي جمعة»، فرصد العديد من المشكلات التي تقف أمام نهضة الشرق الإسلامي، ويَقصد به الدول الإسلامية، مؤكدًا أن النهضة لن تأتي إلا بجهود أبنائه، رافضًا الاعتماد على الدول الكبرى — إنجلترا وفرنسا آنذاك — في هذا الشأن؛ لأن هذه الدول لا تنظر إلا لمصالحها فقط، ولا يجب أن نعوِّل عليها من أجل نهضتنا. واستدعى من التاريخ ما يدعِّم به نظريته، وأكد أن الشرق — وخص بالذكر مصر — غنيٌّ بثرواته فقيرٌ بأهله. فهل يستمع حكامنا اليوم إلى نصيحة مرَّ عليها ما يقارب القرن، ويتخلون عن دعم أوروبا والولايات المتحدة، ويبنون أوطانهم بجهود وسواعد أبنائهم؟بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي
عانت إثيوبيا «الحبشة قديمًا» — كما عانت دول القارة الأفريقية — من طمع العديد من الدول التي حاولت بسط نفوذها عليها؛ من أجل الاستفادة من موقعها المتميز؛ لذا كانت إثيوبيا جزءًا من الصراع الاستعماري بين الدول الكبرى، ولا سيما إيطاليا التي حاولت غزوها عام ١٨٨٨م، وتصدَّى لها الملك «منليك الثاني» (١٨٨٩م-١٩١٣م) — الذي يعد المؤسس الحقيقي لإثيوبيا — وألحق بها هزيمة ساحقة في «عدوة» عام ١٨٩٦م. ولم تُثنِ الهزيمة إيطاليا عن عزمها؛ فقامت في عهد «موسوليني» بغزو إثيوبيا مرة أخرى عام ١٩٣٦م، ضاربةً عُرْض الحائط بكل الاتفاقيات الدولية المبرمة بين الدولتين. وأثبتت الحرب ضعف «عصبة الأمم»، وعدم قدرتها على إيقاف العدوان عن إحدى دول العصبة. غير أن إيطاليا لم تنعم كثيرًا في مستعمرتها الجديدة، وخرجت منها مهزومة عام ١٩٤١م، وعاد الإمبراطور «هيلاسيلاسي» إلى عرشه.القوانين الصينية (سلسلة الأوضاع الصينية الأساسية)
يتناول كتاب (القوانين الصينية) النظام القانوني الصيني وأوضاع البناء القانوني الصيني، كما يتناول المؤسسات القانونية المختلفة بالصين ومراحل تطورها، بما في ذلك القوانين الدستورية والقوانين الإدارية والقوانين الجنائية والقوانين المدنية والقوانين الاقتصادية والقوانين الاجتماعية وغيرها من القوانين. كما يقدم الكتاب عرضا موجزا للتشريعات والقضاء الصيني وصولا إلى تنفيذ القانون وغيرها من الأنظمة، فضلا عن الرقابة القانونية والتعليم القانوني والخدمات القانونية وغيرها، حيث يعمد الكتاب إلى تقديم مقارنة شاملة لصياغة هذه القوانين وحتي مضمونها. وفي كل فصل من الفصول يتم ضرب مجموعة من الأمثلة المحددة على تلك القوانين، وعند عرض انجازات البناء القانوني الصيني، فإننا نتجنب الحديث عن العيوب والمشكلات التي ما زالت قائمة في مثل هذه القوانين.كتاب قراءة الحزب الشيوعي الصيني (سلسلة الحزب الشيوعي الصيني) (باللغة العربية)
اشتمل المضمون الأساسي لكتاب (قراءة الحزب الشيوعي الصيني) عن الحزب الشيوعي الصيني والذي تأسس منذ أكثر من تسعين عاما، حيث مر الحزب بمراحل عدة، من الصغر إلى الكبر ومن الضعف إلى القوة ومن السذاجة حتي النضوج، واستمر الحزب الشيوعي في تطور مستمر، حيث ضم الحزب الشيوعي في بداية تأسيسه حوالي خمسين عضوا، ثم تطور تدريجيا ليصل إلى الحزب الأكبر الذي تولي سلطة الحكم في البلاد لمدة تزيد عن ستين عاما، وضم حوالي أكثر من 82 مليون عضو. خاض الحزب الشيوعي الصيني في تلك التسعين عاما كفاحا مريرا، وازداد شبابه وقوته لتصبح أكبر من ذي قبل. أما كتاب "(قراءة الحزب الشيوعي الصيني) (باللغة الإنجليزية)" فقد احتوي على: ثورة وبناء وإصلاح الصين؛ نظريات الحزب الشيوعي الصيني؛ المركزية الديمقراطية للحزب الشيوعي الصيني؛ نظام الحزب الشيوعي الصيني ومكافحته للفساد؛ نظام القيادة والهيئات التنظيمية للحزب الشيوعي الصيني؛ العلاقة بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب الأخرى؛ العلاقة بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب السياسية الأخرى في كافة دول العالم وغيرها.الدبلوماسية الصينية (سلسلة الأوضاع الصينية الأساسية)
يتناول كتاب "الدبلوماسية الصينية" السياسات الخارجية الصينية والممارسات الدبلوماسية منذ أكثر من ستين عاما أي منذ تأسيس الصين بشكل شامل ومنهجي، كما يستعرض الكتاب بكل وضوح الوضع العام للدبلوماسية الصينية المعاصرة.جزر دياويو (سلسلة المحيط في الصين) (باللغة العربية)
"جزر دياويو" يشمل المحتوى الرئيسي للكتاب تسعة موضوعات: التعرف على جزر دياويو وقيمتها، لماذا تنتمى جزر دياويو إلى الصين، كيف انتزعت اليابان جزر دياويو من الصين، وجوب إعادة جزر دياويو للصين بعد الحرب الثانية، "وصاية" أمريكا تدفن جذور الحادثة، التفاهم المتبادل حول اتفاق "وقف النزاعات"، من يقوم بـ "تغيير الوضع الراهن"، الجهود المبذولة لحماية حق سيادة الصين على جزر دياويو. من خلال عرض هذه القضايا يحاول الكتاب عرض مشكلة جزر دياويو بشكل كامل ومن جميع النواحي ، لتوضيح الحقائق التاريخية والأساس القانوني لانتماء جزر دياويو للصين. ونقد رأى وموقف اليابان الذى لا أساس له من الصحة واستفزازها الغير قانوني، وكشف الحقيقة للجميع، ووضع الأمور في نصابها.أحمد لطفي السيد معاركه السياسية والاجتماعية
يتميز هذا الكتاب عن غيره مما كتب حول المفكر الكبير أحمد لطفى السيد بمعايشة المؤلفة لأفكاره وكتبه وتجاربه ومعاركه لفترة من الزمن ، سمحت لها بأن تغوص فى فكره لتتعمق ما كتبه وما كُتب عنه ، وما نقد به غيره ، أو انتُقد به ،وقدركزت الكاتبة على جانبين هما : السياسى والاجتماعى فى حياته ، ونقلت للقارئ كثيرا من أسرارهما.الأب الروحي
يقدم لنا الكاتب الصحفي شارل فؤاد فى كتابه هذا الذي جاء بعد مؤلفه الآخر «الدب الأسمر» رؤية واسعة للسيرة الذاتية للمهندس الإخواني الملياردير يوسف ندا البالغ من العمر 81 عامًا وهو مفوض العلاقات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين وواحد من أهم ركائز اقتصادياتها، وإنه للرجل الغامض الذي حارت فيه أجهزة الاستخبارات الغربية وعلى رأسها الـ CIA فلم تستطع إثبات تهمة تمويل الإرهاب عليه طيلة أحدَ عشر عامًا رغم كل محاولات التضييق وفرض الإقامة الجبرية عليه في جيب «كامبيوني» الإيطالي الممتد داخل الأراضي السويسرية . ولم يحصل فقط عام 2012 على عفو من الرئيس المصري محمد مرسي في قضية ميليشيات الأزهر، بل حصل كذلك على حكم البراءة من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورج، حين اعتبرت أن سويسرا انتهكت حقَّه في ضمان احترام حياته الشخصية، حين فرضت عليه الإقامة الجبرية عقب وضع اسمه على القائمة السوداء للأمم المتحدة الخاصة بالمشتبه فيهم بتمويل الإرهاب عام 2001 على الرغم من أن الإخوان ينظرون إليه بكثير من التقدير والإجلال. ويواصل الكتاب الصحفي شارل فؤاد في هذا الكتاب سلسلة حواراته مع شخصيات اشتهرت بالغموض وأحاطت نفسها بسياج من السرية والعزلة عن وسائل الإعلام في محاولة ناجحة لكشف أبعاد الحقائق التي تدور حولهم.الحارة المزنوقة
هو الكتاب الذى قال عنه باسم يوسف: لم أكن أنتوي أن أقرأ هذا الكتاب، الحقيقة أنا مش بتاع قراية وكده. المشكلة أن هذا المدعو محمد فتحي كاتب كتاب صغير ومحندق وما يملاش العين. ولذلك لا أستطيع أن أتباهى به مثل باقي الكتب السميكة التي تملأ مكتبتي. إذن فإذا كنت بتاع منظرة ومالكش في القراية فلا تشتر هذا الكتاب، أما إذا كنت تريد قراءة ممتعة وسلسة تملأ عقلك وقلبك ولا تشغل حيزًا كبيرًا على رف مكتبتك يبقى شخشخ جيبك ووفر مصروفك وجيب الكتاب ده فورًا.الفلسطينيون في العالم: دراسة ديموغرافية
في كتابهما الفلسطينيون في العالم: دراسة ديموغرافية الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يبحث يوسف كرباج وحلا نوفل في الجوانب الديموغرافية للفلسطينيين في العالم، التي تتأثر بالعوامل الجيوسياسية والاقتصادية. إن التحليل الديموغرافي في هذا الكتاب هو القياس الموضوعي للحقائق الديموغرافية المتعلقة بماضي الفلسطينيين وحاضرهم، ويوفر مسارات علمية للتنبؤ بمستقبلهم الديموغرافي، محاولًا التعرف إلى تيارات الهجرة التي شكلت مجتمعات فلسطينية في المهاجر، وساعيًا - بقدر توافر المعطيات الضرورية - إلى تقديم إسقاطات ديموغرافية لعدد الفلسطينيين في العالم بحلول عام 2050، من دون إغفال دراسة السمات الخاصة بالمجتمع الفلسطيني في كل بلد من بلدان العالم. في فلسطين وإسرائيل والشتات يتألف الكتاب (296 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من 12 فصلًا. يتناول المؤلفان في الفصل الأول، "دولة فلسطين: أكبر عدد من الفلسطينيين على الرغم من الكارثة"، ديموغرافيًا الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، والتحول الديموغرافي بين الفلسطينيين، والخاصية الديموغرافية لكل من قطاع غزة والقدس والمستوطنات الإسرائيلية، وكيف سيكون الوضع في فلسطين التاريخية وفي الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي الفصل الثاني، "الفلسطينيون في إسرائيل"، يقول المؤلفان إنه من المستحيل التنبؤ بالمستقبل، لكن إذ بدا من شبه المؤكد أن الترحيل أمرٌ لا يمكن تصوّره في ضوء الكتلة الديموغرافية الكبيرة الموجودة الآن، وفي سياق النمو الديموغرافي المحتوم، يُخشى من أن تكون المناطق التي فيها عدد كبير من السكان الفلسطينيين، مثل الجليل والمثلث، خاضعة لشكل من أشكال العزل يشبه إلى حدٍّ بعيد السيطرة المعززة، مثلما حصل في جنوب أفريقيا خلال الأيام السيئة للفصل العنصري. أما في الفصل الثالث، "الأردن: العدد الأكبر من الفلسطينيين في الشتات"، فيرى المؤلفان أن قضية عدد الفلسطينيين في الأردن أمرٌ أساسي بالنسبة إلى الفلسطينيين أنفسهم، وبالنسبة إلى الإسرائيليين القلقين في بعض الأحيان من أجل العثور على وطن بديل للفلسطينيين خارج الضفة الغربية. وقد تبيّن أن الفلسطينيين كانوا أبعد من أن يمثلوا الأغلبية العظمى من سكان الأردن، حتى مع مساهمة الفلسطينيين الأجانب. ومع أقصى قدر ممكن من الموضوعية، وعلى الرغم من عدم دقة البيانات، أظهر بحثهما أن الفلسطينيين يمثّلون عنصرًا أساسيًا في الأردن، لكنه العنصر الذي لا يرغب في السيطرة على كل شيء. وهذا الأمر مفيد للعلاقات الجيدة بينهم من خلال نزع فتيل الأوهام التي تنتشر في الكثير من الأحيان. في سورية ولبنان ومصر في الفصل الرابع، "الفلسطينيون في سورية: من الاستقرار إلى التهجير الثاني"، يقول كرباج ونوفل إن أوساطًا فلسطينية تتخوف من استغلال سعي الفلسطينيين للهجرة إلى أي دولة أوروبية من أجل البحث عن استقرار جديد بعد الاستقرار الذي فقدوه في سورية من جرّاء الحرب المستمرة، في مقابل التخلي عن حق العودة، وإن كان سيتم ذلك عمليًا عندما تستقر الأسر الفلسطينية هناك. ويتوقع المؤلفان أن يصل عدد الفلسطينيين في سورية إلى مليون ومئتَي ألف في عام 2050. كما بيّنا أنّ عددهم انخفض كثيرًا بسبب انخفاض الخصوبة ونزوحهم إلى بلدان متعددة من المحتمل جدًا ألَّا يعودوا منها، فتكون هجرتهم نهائية. وفي الفصل الخامس، "الفلسطينيون في لبنان: من حق العودة إلى حق الهجرة"، يلاحظ المؤلفان أن الثقل الديموغرافي للفلسطينيين في لبنان ما عاد كما كان عليه في بداية اللجوء؛ حيث مثّل اللاجئون الفلسطينيون في عام 1948 نحو 10 في المئة من السكان في لبنان، إلا أنهم باتوا يمثّلون 5.5 في المئة من مجمل السكان في نهاية عام 2017. وبعد مرور 69 عامًا على وجودهم في لبنان، لا يزالون محرومين من حقوقهم في التعليم والطبابة والعمل والضمان الصحي والاجتماعي والتملك، تحت غطاء رفض التوطين والحق في العودة. أما في الفصل السادس، "الفلسطينيون في مصر: من الاندماج إلى النسيان"، فيقدر المؤلفان العدد الحالي للفلسطينيين في مصر بما يراوح بين 30 و100 ألف نسمة، ومع قلة عددهم وانتشارهم في جميع أنحاء البلاد، يبدون بمنزلة نقطة صغيرة في "بحر" المصريين (أكثر من 92 مليون نسمة في نهاية عام 2016). في العراق والخليج في الفصل السابع، "الفلسطينيون في العراق: أرض استضافة متواضعة للفلسطينيين"، يرى المؤلفان أن عدد الفلسطينيين في العراق انخفض تحت عتبة ديموغرافية متدنية جدًا إلى درجة بات انقراضهم على المدى الطويل أو القصير محتّمًا. ومن المؤكد أن إمكانات نموّهم الديموغرافي تداعت على نحو ملحوظ (تدنّي نسبتَي الزواج والولادة). لكن الهجرة إلى خارج العراق هي التي ستشكل "الضربة القاضية". وسيكون انقراض المجتمع الفلسطيني في العراق احتمالًا قويًا بحلول عام 2050. وفي الفصل الثامن، "الفلسطينيون في دول الخليج العربية: نخبة مثقفة ومختارة"، يقول المؤلفان إن للفلسطينيين في منطقة الخليج العربي أهمية خاصة بالنسبة إلى دول الشتات الفلسطيني، "ولا يتعلق الأمر بأهميتهم العددية؛ إذ إن وزنهم الديموغرافي ليس كبيرًا، مقارنة بالبلدان الأخرى من الشتات، خصوصًا أنهم ينتشرون في ست دول، لكن قد يكون ضروريًا الإشارة إلى دورهم الاقتصادي، وبدرجات معيّنة تأثيرهم السياسي في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية". في غرب أوروبا وشمالها يضم الفصل التاسع، "الفلسطينيون في أوروبا الغربية (فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا)"، دراسة ثلاث دول فقط من دول أوروبا الغربية؛ للأسباب الآتية: أولًا، علاقة فرنسا الخاصة بفلسطين وأهمية فرنسا في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط وفي حل القضية الفلسطينية. ثانيًا، الجهود التي بذلها المجتمع الفلسطيني في المملكة المتحدة لتأسيس مؤسسات تهدف إلى حماية مصالحه السياسية والاجتماعية. ثالثًا، الأنموذج الذي تقدمه ألمانيا لفهم الحقائق الديموغرافية المتعلقة بسكانها الأجانب، ولا سيما الفلسطينيين، بسبب وفرة البيانات الكمية عن الجوانب الأساسية لديناميتهم الديموغرافية، فضلًا عن أن العدد الأكبر من الفلسطينيين في أوروبا يعيش فيها. في الفصل العاشر، "الفلسطينيون في بلدان شمال أوروبا"، يبحث المؤلفان في أحوال الفلسطينيين في السويد والدنمارك والنرويج وأيسلندا وفنلندا. ومع أن المجتمعات الفلسطينية في هذه البلدان ليست كبيرة، فإنها تكتسب أهمية سياسية ورمزية؛ بالنظر إلى أن السويد كانت من بين عدد قليل من دول أوروبا الغربية التي اعترفت بدولة فلسطين. وقد برز اندماج عدد من الفلسطينيين في الدنمارك، خصوصًا في المجال السياسي، مع برلمانيين وأعضاء في المجالس البلدية، في حين يتناقض، بوضوح، اهتمام النرويج بالقضية الفلسطينية في الشرق الأوسط مع مصير الفلسطينيين الذين تمكنوا من اللجوء إليها. وفي هذا السياق تُعتبر أيسلندا أول دولة أوروبية اعترفت بدولة فلسطين وأقامت علاقات دبلوماسية معها. في الولايات المتحدة وتشيلي في الفصل الحادي عشر، "الفلسطينيون في الولايات المتحدة الأميركية: بين الاندماج والشعور بالانتماء"، يرى المؤلفان أنه على الرغم من عدم توافر معطيات دقيقة عن الفلسطينيين في الولايات المتحدة فإنه يُستشف من التقديرات المتوافرة أن عددهم تزايد من نحو 200 ألف نسمة في عام 1988 إلى نحو 236 ألف نسمة في عام 2005، ويُقدّر حاليًا بنحو 310 آلاف نسمة. وفي انتظار نتائج تعداد السكان الفلسطينيين المرتقب تنفيذه، وفي ضوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة في الولايات المتحدة، يمكن توقع تطور عدد الفلسطينيين، حيث يصل إلى 344 ألف نسمة نحو عام 2025، وإلى 441 ألف نسمة بحلول عام 2050. أما في الفصل الثاني عشر، "الفلسطينيون في تشيلي: أهمية رمزية وسياسية"، فيرى المؤلفان أن العدد الكبير للمنظمات الفلسطينية في تشيلي يُعدُّ ميزة، فضلًا عن انتماء الفلسطينيين إلى الطبقات الأكثر تعليمًا في المجتمع. ويشكل الحفاظ على منزلتهم الاجتماعية المرتفعة وتركزهم الجغرافي في أماكن محددة جدًا في البلد وفي المدن، ميزة أخرى من شأنها أن تجعل من الممكن، من خلال تقنيات ملائمة غير معقدة، التعرف إلى هؤلاء السكان، من دون المخاطرة بازدواجية العد والحذف.سورية الدولة والهوية
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب خلود الزغيّر سورية الدولة والهوية: قراءة حول مفاهيم الأمّة والقومية والدولة الوطنية في الوعي السياسي السوري (1946-1963). وفي هذا الكتاب، تقدم المؤلِّفة قراءة في الطروحات المتعلقة بهوية الدولة السورية والمفاهيم المركزية التي قام عليها النقاش بين هذه الطروحات؛ مثل "الأمّة"، و"القومية"، و"الدولة الوطنية"، داخل خطاب الأحزاب السياسية السورية التي تصدرت المشهد السياسي بعد الاستقلال التام لسورية في عام 1946 حتى وصول اللجنة العسكرية لحزب البعث إلى السلطة في عام 1963، سواء الأحزاب التي وُجِدت في السلطة أو التي كانت في المعارضة، انطلاقًا من أن أي قراءة في سؤال الدولة والهوية اليوم تحتاج إلى فهم الإشكاليات والظروف والسياقات التي تشكلت ضمنها الدولة السورية وهويتها في المراحل السابقة، خصوصًا أن السؤال حول وجود هوية سياسية - اجتماعية لسورية أو هوية وطنية سورية جامعة أمرٌ لا يزال مطروحًا. ويشتمل هذا الكتاب (272 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) على تسعة فصول نتطرّق إليها في ما يلي. الهوية والتحديات في الفصل الأول، "الهوية السياسية والإشكالية الجغرافية والاجتماعية"، تطرح المؤلفة التحديات الداخلية التي رافقت نشوء الدولة السورية وأحزابها السياسية، وأبرزها الإشكالية الجغرافية المتمثلة في مسألة التناقض بين جغرافية الكيان السوري الناشئ في مطلع العشرينيات والانتماء السياسي إليه، والإشكالية الاجتماعية المتعلقة ببنية المجتمع السوري من حيث طبقاته ونخبه السياسية، ودور المسألة الاجتماعية في تشكيل التوجهات السياسية لكل حزب. أمّا في الفصل الثاني، "التحديات الخارجية للكيان الوطني السوري"، فتعالج المؤلفة التحديات الخارجية للكيان الوطني السوري والإطار الإقليمي والدولي الذي نشأ فيه، وتفكك مفهوم الوطنية والانتماء الوطني الذي تشكل في ظل الموقف من الآخر الخارجي وبالتحدي معه. أمّا في الفصل الثالث، "المؤسسة السياسية والمؤسسات المحلية التقليدية"، فتتناول المؤلفة بنية مؤسسة الدولة، وإلى أي درجة شكّل المجتمع السياسي السوري ومؤسساته دولة وطنية حديثة، وأثر الانتماءات فوق الوطنية أو تحت الوطنية في مؤسسات سياسية (كالأحزاب والبرلمان مثلًا). الوطنية والقومية وما بينهما تنتقل المؤلفة في الفصل الرابع، "أثر الفكر القومي الغربي في التنظير لمفهوم الأمة"، إلى دراسة أثر الفكر القومي الغربي، وخصوصًا النظريتين الفرنسية والألمانية، في الأحزاب القومية التي بدأت تُنظّر لمفهومَي "الأمة" و"القومية" اللذين طغيا على مفهوم "الوطنية". وقد اعتمدت في هذا الشأن حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي؛ بغية الكشف عن الإرث القومي الغربي في خطابهما النظري، وعلاقته بواقع ظهور هذه الأحزاب. ثمّ تناقش المؤلفة في الفصل الخامس، "بين الوطنية السورية والقومية العربية"، الازدواجية أو التأرجح بين مفهومي الوطنية السورية والقومية العربية في خطاب الأحزاب السياسية السورية، وإلى أي درجة يعكس هذا التأرجح إشكالية عدم التوافق حول تعريف الكيان السوري كدولة – أمة، أو كقطر ينتمي إلى أمة أوسع، إضافةً إلى الدور الذي تؤديه الظروف المحيطة وشبكة المصالح في تبدل استخدام هذين المفهومين. أمّة ولغة وتاريخ في الفصل السادس، "الأمة واللغة"، تدرس المؤلفة علاقة الأمة باللغة؛ إذ أدت اللغة العربية دورًا مركزيًا في تشكيل الهوية العربية في العصر الحديث، ذلك أنّ التيارات القومية العربية بَنَت تصورها للأمة على أساس اللغة، معتبرةً إياها المحدد الأساسي والأول لكيان الأمة؛ بناءً على أنّ وحدة اللغة هي محدد وحدة الكيان القومي. وفي هذا السياق تبحث الزغير التصور اللغوي - التاريخي عند ساطع الحصري، والتصور اللغوي - الميتافيزيقي عند زكي الأرسوزي، والتصور اللغوي - السياسي عند حزب البعث. أمّا الفصل السابع، "الأمة والتاريخ"، فتبحث فيه المؤلفة علاقة الأمة بالتاريخ، خصوصًا التاريخ الذي شكّل في خطاب الأحزاب السياسية السورية مقومًا أساسيًا من مقومات تكوين الأمة من جهة، ومرجعية فكرية وإرثًا تُبنى عليه الأمة المعاصرة من جهة ثانية. ومن هذا المنطلق، تلقي نظرة على موقع التاريخ في خطاب الأحزاب السياسية بشأن الأمة، ولا سيما على مستوى الوظيفة، وعلى مستوى الدور الذي أداه. وفي هذا الفصل تعالج المؤلفة التاريخ بوصفه مرجعيةً للأمة وإرثها، وعامل وحدة لها. أمّة واقتصاد ودين في الفصل الثامن، "الأمة - الاقتصاد – الطبقة"، تبحث المؤلفة في علاقة الأمة بالاقتصاد، خصوصًا أن حزبين فقط طرحا دور العامل الاقتصادي في تكوين الأمة؛ هما الحزب الشيوعي، والحزب السوري القومي الاجتماعي. وقد تصاعد الجدل بين اتجاه يرى أن الأمة العربية هي أمّة مُكوَّنة، وقد مثّل هذا الاتجاه القوميون العرب واليساريون غير الدائرين في فلك السوفيات، واتجاه يرى أن الأمة ما زالت في طور التكوُّن وأنها تبقى كذلك حتى تتحقق وحدتها الاقتصادية، ومثّل هذا الاتجاه الماركسيون الشيوعيون العرب الدائرون في فلك السوفيات، في حين يرى اتجاه مثّله السوريون القوميون الاجتماعيون أن الأمة متكونة وأنها تمثّل وحدة تامة، لكنّ بعثها يحتاج إلى ما سمّوه النهضة القومية الاجتماعية، وبناء المتحد القومي الاجتماعي. في آخر فصول الكتاب؛ أي الفصل التاسع الذي ورد بعنوان "الأمة والدين"، تخوض المؤلفة في علاقة الأمة بالدين الإسلامي، وفي الاختلاف الفكري الواضح بين الأحزاب السياسية السورية حول مسألة وحدة الأمة على أساس الدين، وحول علاقة الدين بالدولة والسياسة. فإذا كانت عقيدة العروبة قد استطاعت إيجاد نقاط تلاقٍ مع عقيدة الإسلام، فإن عقائد أخرى كالشيوعية والقومية السورية كانت أكثر جذرية في استبعادها العامل الديني، على نحو تكون فيه المؤسسة الدينية في ما يتعلق بالمؤسسة السياسية مؤسسة محايدة، على الرغم من أن تلك العقائد قدّمت نفسها، أحيانًا، كـ "أديان" جديدة.الشباب والانتقال الديمقراطي في البلدان العربية
صدر عن سلسلة "دراسات التحول الديمقراطي" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب الشباب والانتقال الديمقراطي في البلدان العربية (تحرير: عبد الفتاح ماضي و عبده موسى)، ويضم بحوثًا مُنتقاة من مؤتمر "الجيل والانتقال الديمقراطي في الوطن العربي" الذي عقده المركز بين 22 و24 أيلول/سبتمبر 2017 في مدينة الحمامات بتونس، وجاء التركيز فيه على فئة الشباب بوصفهم الفاعل الرئيس الذي يقف وراء تطور المجتمعات العربية الراهن، والذي يدفع مسألة التحول الديمقراطي. تجمعُ هذه البحوث دوائرَ ثلاثٍ للاهتمام النظري والتطبيقي في مجال العلوم السياسية بصفة خاصة، وفي مختلفِ حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية بصفة عامة، هي: الشباب والديمقراطية والثورات. كما تركز على فحص ديناميات الارتباط بين قضيتَي الديمقراطية وتمكين الأجيال الجديدة، من خلال عمل علمي يراوح ضمن حقول بحثية عدة؛ منها التاريخ والبحث السوسيولوجي والديموغرافيا والإثنوغرافيا والتحليل الثقافي، فضلًا عن العلوم السياسية باعتبارها حقلًا أساسيًا. حراك الجيل وتحولاته يتألف الكتاب (588 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) مقدمة و17 فصلًا. يقول عبده موسى في المقدمة، "الجيل والثورة والديمقراطية"، إنَّ ما أظهره الربيع العربي من حراك للفئة الشابة يمنح الوجاهة لاستدعاء مفهوم الجيل وتوظيفه في معرض السعي إلى فهم تلك التجربة التاريخية الاستثنائية ذات التأثير البالغ في الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في منطقتنا العربية وتفسيرها. وبات النظر في المفهوم عربيًا ضرورة علمية، لأن النظرة الخلدونية التي لمّا تزل تُستدعى لدى الحديث عنه، ما عادت تفي بفهم معنى الجيل باعتباره رافعة تاريخية، ولا مجال لمقاربة حركة تغيير تشهدها المجتمعات العربية عبر تلك المقاربة البيولوجية المُضمَرة في التصوّر الخلدوني، إذ المُماهاة هي بين حركة الجماعة وتطوّرها وحركة الفرد وتطوّره. يجادل أحمد تهامي عبد الحي في الفصل الأول، "الحراك الجيلي في سياقات الانتقال الديمقراطي: مدخل نظري في المفاهيم والمقولات التأسيسية"، بأنّ الجيل السياسي عمل في سياق الربيع بوصفه مُتغيرًا مُستقلًا مُحفّزًا للمشاركة السياسية، على نحو أعاد تشكيل مسارات التنمية السياسية والتحوّل الديمقراطي. الشباب السياسي والتغيير يقدم المنجي الزيدي في الفصل الثاني، "الخلفية النظرية لمفهوم الجيل وتطبيقاته في علم اجتماع الشباب"، إطلالة نظرية تُبرز خلفية مفهوم الجيل وتطوّر تشكّله التاريخي وتطبيقاته في علم اجتماع الشباب. ويطرح محدّدات لتعريفه، انطلاقًا من لحظة الحدث المؤسس، ومن خلال الاستجابات التي تخط مسار الجيل في التاريخ. يبين عبد القادر بوطالب في الفصل الثالث، "الشباب والسياسي: طبيعة التمثلات وعوامل انحسار ظاهرة الانتساب الحزبي في المجتمع المغربي"، أن مشكلة عزوف الشباب عن العمل الحزبي تعود إلى خصائص حملتها العلاقة بين الشباب والأحزاب، وإلى تمثّلات الشباب للشأن السياسي، خصوصًا في ما يخص البنية الحزبية ونوعية الأحزاب في المغرب يتناول أحمد الخطابي في الفصل الرابع، "من حركة 20 فبراير إلى حراك الريف: الخوف من الديمقراطية أم الخوف من جيل الشباب بالمغرب؟"، موقع الشباب من حراك 20 فبراير 2011 وحراكات الريف في الحالة المغربية، متسائلًا: هل ينطلق موقف السلطة إزاءها من الخوف من الديمقراطية أم الخوف من الأجيال الشابة؟ يقدم أحمد إدعلي في الفصل الخامس، "الدينامية الاحتجاجية لـ ’حركة 20 فبراير‘ بين الوهج والضمور: دراسة لأشكال التأطير والتأطير المضاد"، زاوية للنظر في الحالة المغربية انطلاقًا من نظرية التأطير، عارضًا أشكال التأطير والتأطير المضاد التي صاحبت حركة 20 فبراير، وتلك العمليات الفكرية الحِجاجية والخطابية لهذه الحركة وتأثيرها في الجمهور. أغورا وسلفية وثورة تتطرق بشرى زكاغ في الفصل السادس، "أغورا شباب الربيع العربي: بين أعطاب الواقعي وآمال الافتراضي"، إلى الخطاب وبناء القناعات وتداول الشأن السياسي في المجال الافتراضي لدى جيل الربيع العربي، وتبين وجود ملامح التشابك بين المجال الافتراضي الذي أوجدته شبكة الإنترنت، خصوصًا مواقع التواصل الاجتماعي، والواقع السياسي الحقيقي. يطرح محرز الدريسي في الفصل السابع، "كسر الطوق وتملك هوامش المدينة، الغرافيتي: دراسة شعارات الشباب في مسلك السكة الحديد في تونس الجنوبية"، رؤية للفن الغرافيتي تجمع الإستاطيقي بالسوسيولوجي في سياق الممارسة النضالية ضمن حالة الاحتجاج التي شهدها الجنوب التونسي، عارضًا المناحي القيمية والرمزية والتواصلية لهذا الشكل التعبيري الجديد عبر تحليل رسائل الغرافيتي التي رسمها الشباب على جدران خط السكة الحديد الجنوبي. يعرض محمد جويلي في الفصل الثامن، "سلفية تحت الطلب أو تنشئة شبابية منهكة"، نتائج دراسة ميدانية تُبرِز علاقة الشباب التونسي بالظاهرة السلفية، عبر نتائج بحث ميداني شمل عينة من شباب منطقة تونس الكبرى من الجنسين، عارضًا صور الطلب الاجتماعي من جهة الشباب على التديّن السلفي. يطرح شاكر الحوكي في الفصل التاسع، "الشباب والثورة: هل تصلح المقاربة الجيلية أساسًا لقراءة الثورة التونسية؟"، إشكالية ثنائية الشباب – الثورة، مستخدمًا موقع الشباب في مسار الثورة التونسية حالةً للمُقاربة، ومُشدّدًا على أن صراع الأجيال فرض نفسه بفعل رغبة الشباب في احتلال موقع جديد على الخريطة السياسية على حساب الأجيال الأكبر، ممن احتكروها طويلًا. تصدعات الهوية وعقدة الجيل يطرح حمزة المصطفى وصوفية حنازلة في الفصل العاشر، "العقدة الجيلية في الانتقال الديمقراطي بعد الثورات الشعبية: الشباب التونسيون وتحديات استدامة التوافق السياسي"، مسألة العقدة الجيلية في الانتقال الديمقراطي، وما تعلّق بها من تحدٍ لاستدامة التوافق السياسي في ما بعد الثورة في تونس يتطرق حسن الحاج علي أحمد في الفصل الحادي عشر، "التصدّعات المتحوّلة: الهوية والانتماء السياسي للشباب السوداني"، إلى مسائل الهُوية والانتماء لدى الشباب السوداني وتلك التصدّعات الاجتماعية التي حدثت مع حكومات الإنقاذ خلال الفترة 1989 - 2017، وما جرى من انقسامات سياسية تُرجمت في صورة هُويّات سياسية متناحرة في أوساط الشباب، على نحو عرقل إمكان التحوّل الديمقراطي. يتناول أشرف عثمان محمد الحسن في الفصل الثاني عشر، "الحقل الشبابي في السودان وإعادة تشكيل المجال العام: بحث في ديناميات الفعل الجمعي ورهانات الحضور العمومي"، حالة شباب "شارع الحوادث"، باعتبارها حالة لإيجاد مجال عمومي تشاركي غير تراتبي، ميّزها حضور الشباب في ساحة الشارع وتنظيمهم فعاليات تكسر احتكار المجال العمومي. يُبيّن أحمد عثمان في الفصل الثالث عشر، "الشباب التونسيون من صناعة الثورة إلى العزوف الانتخابي: حالة الثورة التونسية"، أبعاد ظاهرة العزوف الانتخابي لدى الشباب في تونس، محاولًا تفسير هزال نسب تصويت الشباب في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة. لبنان والصومال وتونس والمغرب تتطرق ماريز يونس في الفصل الرابع عشر، "فاعلو الحراك المدني اللبناني: قضية مشتركة،خلفيات متناقضة"، إلى حالة القوى الشبابية في لبنان في لحظة حراك عام 2016، وكيف تشكّلت ملامح حركة تغيير ديمقراطي عابرة للطوائف، وتعرض طبيعة الفاعل الجيلي، وكيف كان التمايز في خلفيات الفاعلين ورُؤاهم من أسباب تعطّل التنسيق والحوار في ما بينهم. يتناول عبد الرحمن محمود عيسى في الفصل الخامس عشر، "الانتقال الديمقراطي في الصومال وتأثير الشباب فيه"، تأثير الشباب المتصاعد في صوغ الانتقال الديمقراطي في الصومال، مركّزًا على أثر العامل الجيلي في إسقاط النظام العسكري. يُعالج محمد بالراشد في الفصل السادس عشر، "الديمقراطية المفاجئة: الشباب العربي وتحدي الانتقال الديمقراطي"، أثر الديمقراطية المفاجئة في الشباب وفي عزوفهم عن الانخراط في الحياة السياسية في تونس، وطبيعة الثقافة الديمقراطية لديهم، التي تناقض الدور الكبير الذي تولاه الشباب في مستهل الثورة. يعرض محمد فاوبار في الفصل السابع عشر والأخير، "أدوار الشباب الجديدة وسياسات الدولة في الإدماج في المغرب بعد حراك 2011"، رؤية سوسيولوجية لسياسات الدولة في المغرب تجاه الشباب، ومأزق إدماجهم، محيلًا سبب تأزّم علاقة الدولة بالفئة الشابة إلى افتقار السلطة إلى سياسة حقيقية بمقدورها النهوض بالشباب المغربي، على الرغم من إمكاناته الكبيرة وتنوّع قدراته.الحركة النسائية المبكرة في سوريا العثمانية
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب تيسير خلف الحركة النسائية المبكرة في سوريا العثمانية: تجربة الكاتبة هنا كسباني كوراني 1892-1896، يتناول فيه تجربة كوراني التي تساهم دراستها في تعميق وعينا ببواكير نشوء الحركة النسوية في المشرق العربي، والاتجاهات الفكرية والفلسفية التي أثرت فيها. فهذه التجربة تمدنا بمادة غنية عن حالة نادرة من حالات التفاعل والمثاقفة بين الشرق والغرب. يتألف هذا الكتاب (156 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من مقدمة عن هَنا كوراني وبيئتها الاجتماعية والثقافية، وثلاثة فصول. في مؤتمر شيكاغو النسائي الأول في الفصل الأول، "مؤتمر شيكاغو النسائي"، يعرض خلف لحضور هَنا كسباني كوراني في هذا المؤتمر. فهي حين ألقت فيه خطابها الشهير في عام 1893، اقتحمت مجتمع النخبة الأميركي بقوة بفضل كلماتها المؤثرة وألفاظها الإنكليزية البليغة وزيها الشرقي المميز، وتحولت سريعًا نجمة في صحافة العالم الجديد، وضيفة مميزة في صالونات الطبقة البرجوازية، ومحاضِرة محترفة في المنتديات الأدبية والاجتماعية للحديث عن عوالم الشرق المبهمة، وعاداته وتقاليده، وأوضاع نسائه ورجاله. وتوضيحًا لذلك، يكتب المؤلف: "عبّرت هَنا كوراني في رسالة إلى صديقتها هند نوفل، رئيسة تحرير مجلة ’الفتاة‘، عن استغرابها الشديد موقفَ النساء الأميركيات اللواتي يتمتعن بالدرجة الأولى من التقدم، بسبب عدم اقتناعهن ’بما قسم المولى لهن‘، بحسب تعبيرها. وانتقدت في رسالتها ما سمّته ’دأب نساء أميركا على منازعة الرجل على إدارة أمور السياسة، وتولي المناصب الإدارية‘. وقالت: ’لست بحامدتهن على هذه الأطماع الكبرى، لأن هذا ممّا يشوش الراحة العمومية، ويخرب فوق كل شيء السعادة البيتية، فالأَولى بهن القناعة بمقامهن الرفيع وبذل مقدرتهن في نشل غيرهن من بنات جنسهن اللواتي قد حكم الزمان عليهن بالذل والهوان‘". لكن، مهما يكن من أمر بقاء هَنا كوراني في الولايات المتحدة بعد اختتام مؤتمر النساء العالمي ومعرض شيكاغو، فإن تحولًا مهمًا بدأ يظهر على تفكيرها بشأن حقوق المرأة والمشاركة السياسية، كما تدل تصريحاتها للصحافة الأميركية، بحسب خلف. ومن المؤكد أن هذا التحول كان بسبب ارتباطها بصداقة وثيقة مع سيدة أميركية كانت تُعَدّ أشهر داعية إلى حق المرأة في التصويت. في بلاد العم سام يتحدث خلف، في الفصل الثاني، "خطيبة محترفة في بلاد العم سام"، عن ارتباط كوراني في أثناء فعاليات المؤتمر النسائي العالمي بصداقة متينة مع سيدة أميركية، كانت تُعَدّ من أبرز رموز تحرير المرأة، وعرّابة حق التصويت للنساء في الولايات المتحدة، تدعى ماي رايت سيوول. وكان لهذه الصداقة أبلغ الأثر في التحولات الفكرية التي طرأت على كوراني، في الفترة التي أعقبت نهاية المعرض الكولومبي. وكان للندوات والمحاضرات والنقاشات آنذاك أثر بالغ في صقل أفكار كوراني في هذه المرحلة، لكن لا يمكن إغفال تأثير الجلسات التي كانت تنظمها ماي سيوول وزوجها في منزلهما في إنديانابوليس، حيث أمضت هَنا وقتًا ثمينًا في ضيافتهما، كما قالت في رسائلها. ولعل أبرز نتائج هذه الصداقة بين السيدتين ترشيح هَنا كوراني للمشاركة في المؤتمر السنوي الـ 26 لحق المرأة في التصويت في عام 1894. وفي هذا السياق، يقول المؤلف: "أصبحت هَنا كوراني، بعد أن استضافتها أهم المنتديات النيويوركية، ضيفة لا تغيب عن الصحافة الأميركية؛ إذ تسابقت كبريات الصحف والمجلات الأميركية لكتابة تقارير عن نشاطاتها، وإجراء مقابلات معها، كلها مزينة برسمها الشهير، وهي ترتدي زيها الشرقي المميز"، وهو الزي الذي ارتدته حين ألقت خطابها الشهير في مؤتمر شيكاغو النسائي. يضيف: "مضى عام 1894، وهَنا كوراني تواصل النجاح في إثر النجاح خطيبةً محترفة، ونجمة من نجمات مجتمع النخبة الأميركي، لا تكاد تجد وقتًا لتلبية الدعوات من المنتديات، والجمعيات التي باتت تنهال عليها من كل حدب وصوب. ويمكن القول إن تحولًا فكريًا كبيرًا طرأ عليها خلال هذا العام؛ إذ أصبحت أكثر جرأة في توجيه الانتقاد إلى المجتمع الذكوري في المشرق، المسؤول عن تجهيل الفتيات، وما عادت تنتقد المرأة في محاضراتها الأخيرة لمطالبتها بحقوقها، بل أصبحت تنادي علنًا بالمساواة في الحقوق السياسية، ومع ذلك كانت لا تغفل النواحي الإيجابية في المجتمع الشرقي، ولا تتوانى عن انتقاد مادية المجتمع الأميركي". قتلها السلّ جاء حديث خلف، في الفصل الثالث، "المرض والعودة"، عن تلقّي هَنا كوراني دروسًا في تعلم ركوب الدراجة الهوائية، وعن التقاطها عدوى عُصيّة السل، وإبحارها على متن السفينة "نيويورك" لتزور بعض الأصدقاء في باريس والإسكندرية قبل أن تذهب إلى مسقط رأسها قرب بيروت في سورية، على أن تعود إلى الولايات المتحدة الأميركية فور تحسن صحتها للحصول على الجنسية الأميركية. وفي هذا السياق، يؤكد المؤلف أنه بعد عودة كوراني إلى بيروت، وعلى الرغم من حالتها الصحية، فقد ألقت في 26 أيار/ مايو 1896، محاضرة بعنوان "التمدن الحديث وتأثيره في الشرق"، تحدثت فيها بإسهاب عن ملامح الحضارة والتمدن في التاريخ القديم، ومنه التاريخ العربي الإسلامي، وفي العالم المعاصر، داعيةً أبناء وطنها إلى نهضة شاملة من خلال الاطلاع على تجارب الشعوب الأخرى. وبعد أن أشادت بالمرأة العارفة العاملة، ذات التأثير الذي لا يحدُّ في ترقية البشرية مدنيًا ومعنويًا، دعت مواطناتها إلى أخذ زمام المبادرة؛ إذ يستحيل على المرأة مجاراة الرجل في سبق العلم والآداب إن لم تعوّل على نفسها، وتطرق باب الجد بيمينها، كما قالت، لأن "الرجال كما اشتهر عنهم يؤْثرون أنفسهم بالسيادة، ويختصون ذواتهم بكمال العقل والحكمة والدربة، فهم على ما يعتقدون سلاطين الكون، وأصحاب الحكم المطلق الذي يجب أن تخضع له وتنقاد إليه المخلوقات طرًّا، والمرأة من الجملة". توفيت هنا كوراني في كفر شيما في 6 أيار/ مايو 1898، متأثرة بإصابتها بداء السل. طار خبر وفاتها إلى الصحافة الأميركية التي تناولته بكثير من التأسف، مذكّرة بهذه السورية التي اقتحمت صالونات الولايات المتحدة ومنتدياتها من أوسع أبوابها، وصادقت نخبة نساء المجتمع الأميركي.في الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية؟
في إجابة عن سؤال يُطرح بكثرة في الأعوام الأخيرة، صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب مهمّ يشرح فيه مؤلفه عزمي بشارة ظاهرة الشعبوية وسياقاتها التاريخية؛ فقد أصبح من الضروري شرح جذور الظاهرة وماهيتها وتدقيق المفهوم، ولا سيما بعد أن راج استخدام المصطلح إعلاميًا في وصف حركات يمينية نشأت وانتشرت خارج الأحزاب المعروفة، وفي وصف سياسيين جدد برزوا وصعدوا من خارج المنظومات الحزبية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. ينفرد هذا الكتاب بالانطلاق من نظرية الديمقراطية وبنيتها، وبالفصل بين ظاهرة الشعبوية في الديمقراطيات؛ إذ يُظهر تميّزها بوضوح على نحو مبيّن لحدودها ودرجاتها من جهة، وحالها في البلدان ذات الأنظمة السلطوية التي يصعب التمييز فيها بين الشعبوي والشعبي في المعارضة. كما يناقش الكتاب مصادر الشعبوية في الخطاب الديمقراطي نفسه، وفي التوترات البنيوية للديمقراطية، ووجود درجات من الشعبوية في خطاب الأحزاب الرئيسة ذاتها، والمصادر الثقافية والسوسيو-اقتصادية للمزاج السياسي الشعبوي. الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية يتألف هذا الكتاب (216 صفحة بالقطع الصغير، موثقًا ومفهرسًا) من أربعة فصول. في الفصل الأول، "الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية"، يرى بشارة أن ما يُعدُّ أزمةً تمرُّ بها الديمقراطية الليبرالية المعاصرة ليس ظاهرة جديدة، بل هو من تجليات أزمة دائمة للديمقراطية في ظروف جديدة. وبحسب المؤلف، تتمثل عناصر هذه الأزمة الدائمة بثلاثة توترات بنيوية: التوتر الأهم هو بين البعد الديمقراطي المتعلق بالمشاركة الشعبية القائمة على افتراض المساواة الأخلاقية بين البشر، وافتراض المساواة في القدرة على تمييز مصلحتهم، التي تقوم عليها المساواة السياسية بينهم، ويقوم عليها أيضًا حقهم في تقرير مصيرهم، وبين البعد الليبرالي الذي يقوم على مبدأ الحرية المتمثلة بالحقوق والحريات المدنية، وصون حرية الإنسان وكرامته وملكيته الخاصة من تعسّف الدولة، ويتعلق بتحديد سلطات الدولة. أمّا التوتر الثاني فهو داخل البعد الديمقراطي ذاته بين فكرة حكم الشعب لذاته من جهة، وضرورة تمثيله في المجتمعات الكبيرة والمركبة عبر قوى سياسية منظمة ونخب سياسية تتولى المهمات المعقدة لإدارة الدولة عبر جهازها البيروقراطي، من جهة أخرى. وأمّا التوتر الثالث فهو بين مبدأ التمثيل بالانتخابات الذي يقود إلى اتخاذ قرارات بأغلبية ممثلي الشعب المنتخبين، أو بأصوات ممثلي الأغلبية من ناحية، ووجود قوى ومؤسسات غير منتخبة ذات تأثير في صنع القرار، أو تعديله، وحتى عرقلته مثل الجهاز القضائي والأجهزة البيروقراطية المختلفة للدولة، من ناحية أخرى. إضافةً إلى ذلك، يجد بشارة أن تفاقم حالة عدم الثقة بالأحزاب في الديمقراطيات المتطورة والنامية، وتزايد وزن العنصر الشخصي في السياسة، وتصاعد دور الإعلام المرئي ووسائل الاتصال الشبكية، كلّها عوامل تؤدي إلى صعود سياسيين غير حزبيين أو متنقلين بين حزب وآخر، يعتمدون على النجومية، والديماغوجيا الإعلامية وغيرها، إضافةً إلى تسلُّل رجال أعمال فاسدين إلى السياسة، لكنهم في نظر الجمهور مؤهلون لأنهم جمعوا ثروتهم خارج المنظومة السياسية، ولأنهم يتكلمون لغة البسطاء، كما ينجذب إليها نجوم الرياضة والسينما. وبحسب بشارة، لا تنبع شعبوية السياسي هنا من انتمائه إلى الشعب، "بل من تكلّمه لغة الشعب وتنزيل مستواها من خلال ذلك، لأنه لا يتكلم لغة الشعب في الحقيقة، بل لغة الشارع كما يتصوَّرها، وكما يجري تكريسها في الإعلام والسياسة. فيبرز السياسي الهاوي المُعتمِد على العلاقات العامة والنجومية [...] ما يؤدي إلى إضرار كبير بالمؤسسات الديمقراطية. وطبعًا، لا ينجح هؤلاء في إعادة الثقة، بل يعمّقون عدم الثقة بالمؤسسات الديمقراطية". الشعبوية: الخطاب والمزاج والأيديولوجيا في الفصل الثاني، "الشعبوية: الخطاب والمزاج والأيديولوجيا"، يرى بشارة أن الشعبوية تستهدف الأحزاب والمؤسسات الإعلامية ومؤسسات مراقبة السلطة وضبطها، وهدفها الوصول إلى ديمقراطية شعبوية هي اسم لشكل الحكومة التمثيلية الجديد الذي يقوم على العلاقة المباشرة بين القائد والمجتمع الذي يحدِّده القائد بوصفه شعبًا محقًا وطيبًا دائمًا. وبحسبه، لا يمثّل السياسيون في هذه المرحلة أحزابًا أو جماعاتٍ منظمة بقدر ما يتحولون إلى ممثلين؛ أي يؤدون أدوارًا، ويبحثون عن شروخ اجتماعية لاستغلالها خارج الانقسامات الحزبية. يجد بشارة أننا نشهد تجاوز التطور الاجتماعي السياسي المتمثل بتقسيم يسار ويمين إلى تقسيمات أخرى يمكن أن نطلق عليها "يسار" و"يمين" شرطَ تغيير دلالة المصطلحات؛ فـ "ثمة تقاطعات كبيرة حاليًّا بين ما كان يسمى يسارًا ويمينًا في الموقف السلبي من العولمة ومن مؤسسات الدولة الديمقراطية ومن الأحزاب والليبرالية، وغيرها". ويرى أنّ أحد مصادر جمع الشعبوية بين اليمين واليسار هو "الفسخ النيوليبرالي بين الليبرالية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي أنجزت خلال مرحلة دولة الرفاه، وفي الوقت ذاته بروز ظاهرة العودة إلى الهويات المحلية والإثنية في مواجهة العولمة [...] وهذا الفسخ أدى إلى تراجع الطبقة الوسطى وتضرّر فئات واسعة من العولمة والتجارة العالمية، وحرية تدفق الاستثمارات بحثًا عن عمالة أرخص في بلدان لم تتحقق فيها بعد منجزات نقابية وحقوق عمالية". ولا يرى بشارة ضررًا على الديمقراطية من تبنّي اليسار خطابًا مساواتيًا شعبويًا حين يكون مبدأ الحرية متجليًا في الحريات قد ترسّخ في الديمقراطيات التاريخية، فلا يؤذيها كثيرًا عدم تشديده عليها. ويضاف إلى ذلك أنّ هذا النوع من اليسار سرعان ما يتبنى سياسات أكثر قربًا من التيارات المركزية التي حكمت، ما إن يصل إلى الحكم. عدم الثقة بالمؤسسات الديمقراطية يناقش بشارة في الفصل الثالث، "في مسألة عدم الثقة بالمؤسسات الديمقراطية"، موضوع عدم الثقة بالمؤسسات الديمقراطية والاغتراب عنها، ويثير مسألة احتمال أن يوصل المد الشعبوي سياسيين إلى الحكم، قد يلحقون ضررًا بمنجزات الديمقراطية الليبرالية، "لكنّ استنفار المؤسسات الديمقراطية والصحافة وفئات واسعة من المجتمع الأميركي لحماية منجزات الديمقراطية في مواجهة شعبوية ترامب مثلًا واضح للعيان. كما أن قادة شعبويين يمينيين آخرين في أوروبا الغربية لا يشككون في النظام الديمقراطي، بل يصرون على منجزات ليبرالية مثل حقوق المرأة (وحقوق المثليين في بعض الحالات)، وأصبحوا يصوّرون هذه المنجزات كأنها ضمن الخصوصية الثقافية، وحتى الإثنية التي يجب الدفاع عنها في مواجهة المهاجرين المسلمين الذين يهددونها بحسب ادعائهم". يرى بشارة أن الديمقراطيات الوليدة في الدولة النامية، بعد نشوة نجاح ثورة في إسقاط نظام سلطوي، والاستبشار بقدوم الديمقراطية، أو في ظروف التفاؤل فيما إذا نجح الإصلاح المؤدي إلى الانتقال إلى الديمقراطية، غالبًا ما تنتشر فيها "حالة من الخيبات وعدم الارتياح الشعبي من النظام الديمقراطي في الدول النامية. والمشكلة أن المواطنين في هذه الدولة لم يعتادوا التمييز بين الحكومة والنظام السياسي، ما ينذر بتحول النقمة على الحكومة إلى موقف من النظام". كما يتطرق بشارة، في هذا الفصل، إلى مسألة الرضا عن أداء المؤسسات والموقف من النظام الديمقراطي في تونس ومصر؛ إذ يقول: "ثمة ما يمكن تعلّمه من موقف المصريين من النظام الديمقراطي على الرغم من فشل عملية الانتقال إليه في وطنهم، وثمة ما يمكن الاستفادة منه عند تحليل موقف التونسيين من أداء المؤسسات والأحزاب، وخطورة الشعبوية في مرحلة ترسيخ الديمقراطية". جاذبية النظام الديمقراطي في الفصل الرابع، "هل فقد النظام الديمقراطي جاذبيته؟"، يقول بشارة إن الوهم أن الشعبوية اليمينية تستخدم أدوات لاعقلانية في مقابل الأحزاب التقليدية اليسارية واليمينية والنخب السياسية التي تمتاز بعقلانيتها هو خطأ شائع، وإن القوى المعزولة شعبيًا في عصرنا، مثل اليسار الماركسي اللينيني التقليدي، أو التي تحولت إلى تيارات ثقافية نخبوية، توهم نفسها بأنها عقلانية، وأنّ تراجعها شعبيًا سببه عقلانيتها، وأن الحلّ هو العودة إلى الصراع على الهيمنة عبر مخاطبة العواطف وغيرها من وسائل الاستراتيجية الشعبوية، مع أنها لم تتردد في الماضي في استخدام الوسائل التعبوية، وتوظيف غيبيات أيديولوجيا الخلاص والحتميات التاريخية والنهايات السعيدة حينما كانت تحظى بشعبية داخل الطبقة العاملة. وحين ضعفت هذه القوى، انتقدت نفسها على أن الأيديولوجيا وغيبياتها والتمسك غير العقلاني بها، منعتها من استيعاب التطورات في المجتمع الصناعي الحديث، والحل هو العودة إلى المنهج العقلاني. في النهاية، لا يتفق بشارة مع الاستنتاج القائل إن الديمقراطيات الليبرالية في حالة أفول بناءً على المعطيات التي تجلب للاستدلال على ارتفاع مستوى الدخل والتعليم في دول سلطوية"، فهذه تؤشر إلى رسوخ الأنظمة السلطوية واستقرارها. لكن السؤال الذي يجب أن يطرح حول الدول السلطوية المتطورة لا يفترض أن ينطلق من أن هذا التطور يشكل أزمة للديمقراطية، بل متى تنجب هذه العوامل نقيض السلطوية؟ وما هو احتمال انتقال هذه الأنظمة إلى الديمقراطية بسبب توسع الطبقة الوسطى وانتشار التعليم ومعهما الحاجة إلى حرية الرأي والتعبير عنه والرغبة في المشاركة؟وثائق المؤتمر العربي الأول 1913
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب وثائق المؤتمر العربي الأول 1913: كتاب المؤتمر والمراسلات الدبلوماسية الفرنسية المتعلقة به، وهو دراسة أجراها وجيه كوثراني وقدم لها، ليست الغاية منها استعادة ذاكرة تاريخية أسقطت عليها مشاعر حنين لأيديولوجيا فحسب، بل بذل محاولة تفسير سياق هذا الحدث وتقاطعات الفاعلين فيه واختلاف مواقع رهاناتهم وفهمها، علمًا أن الفاعلين فيه لم يكونوا المشاركين العرب وحدهم ولا خطاباتهم وحدها، وإنما أيضًا سياسات دولية فاعلة تمثلت في أشكال من الاستثمار والتوظيف والتدخل والرهانات المتعددة، فكانت محاولة التقاطٍ وجمعٍ لأبعادٍ وتركيبٍ لتقاطعات عروبية - عثمانية - دولية. سؤالان من ذاكرة جديدة يتألف هذا الكتاب (304 صفحات بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من مقدمة وثلاثة أقسام. في مقدمته لهذه الطبعة الجديدة من الكتاب، يطرح كوثراني سؤالين تولّدا من "ذاكرة جديدة"، كما يقول، راكمت أربعين عامًا من صورٍ وأفكارٍ وأمكنة وحوادث وثورات، كان من شأنها أن توجب إعادة النظر في المواقف والرؤى. ينطلق السؤال الأول من تناقض رأيَي عبد الحميد الزهراوي، المنسق الأساسي للمؤتمر، الذي ذهب مذهب الرهان على أوروبا ورجالها المتنورين، وشكيب أرسلان الذي قال: "إن الأوروبيين مهما اجتهدنا ومهما حاولنا التظاهر بالقومية لا يعرفون المسلمين إلا أمة واحدة، إذا سقط بعضهم رأيت الأوروبيين يحتقرون الجميع". والسؤال هو: ما مدى التغير في ثنائية هذا التفكير العربي الذي أمسى نمطًا من حرب أهلية عربية اليوم تشتعل بين علمانوية طائفية وإسلاموية طائفية أيضًا؟ أما السؤال الثاني فهو: هل تغير شيء في علاقة القوى الأجنبية العالمية النافذة بالداخل العربي، أي بقضاياه ومسائله ومشكلاته وسياساته واقتصادياته وأديانه ومذاهبه، بل بمؤتمراته العربية التي يصعب تعدادها لكثرتها بعد "الأول"، عما كان عليه الحال في العلاقة الوظائفية بين الفاعلين في المؤتمر العربي الأول في مطالع القرن العشرين والفاعل الأوروبي؟ العثمانيون ونشأة الحركة العربية في القسم الأول، "الدولة العثمانية وظروف نشأة الحركة العربية"، مباحث ثلاثة. في الأول، "مدخل إسلامي لدراسة الدولة العثمانية"، يرى كوثراني أنّ الأطروحات الأيديولوجية التي صيغت كمسلمات لدى بعض الكتاب الذين يعتبرون الحركات المحلية المناوئة للولاة العثمانيين أو بعض الدعوات الانفصالية عن الدولة العثمانية دعوات وحركات قومية، "ساهمت في تشويه النظرة لا إلى التاريخ العثماني فحسب، حيث أبرز الأتراك فاتحين ومستعمرين، بل في تشويه النظرة إلى التاريخ العربي والإسلامي (الوسيط) حيث حرص على إبراز العرب شعبًا غالبًا، واعتبر ازدهار الحضارة العربية مشروطًا بغلبتهم. وبالتالي اعتبر الانحطاط والتراجع الحضاري من نتائج غلبة الشعوب والأقوام الإسلامية الأخرى. هكذا، اعتبرت قرون الانحطاط هي قرون حكم الأتراك، واختزلت بالتالي عملية التخلف التاريخية التي دخلت في وعي المثقفين العرب في مرحلة سيطرة الغرب، في صيغة تخلف عن الحضارة التي هي حضارة الغرب الرأسمالي آنذاك، وتم ببساطة إسقاط الأسباب التي أدت إلى هذا التخلف على حكم الأتراك العثمانيين". وبحسبه، حدثت فجوة عميقة في الوعي التاريخي لدى مثقفي عصر النهضة، بين الماضي العربي - الإسلامي من جهة، وبين تمثل المستقبل عبر الحاضر الذي كان يقدم نموذجه الصارخ الغرب التوسعي آنذاك. النزاعات القومية وصراعها على السلطة في المبحث الثاني، "حركات الوحدة والتجزئة: الصراع على السلطة والنزاعات القومية"، يقول كوثراني إن تاريخ الصراعات السياسية المحلية في المشرق العربي هو إلى حد بعيد "تاريخ صراع العصبيات المحلية لفرض سلطتها كأمر واقع يعترف به السلطان فيصبح شرعيًا. وهذه العصبيات لم تكن تصطدم ببعضها فحسب، بل كانت تصطدم في مساق توسع نفوذها في المقاطعات، أي توسع حدود التزامها للضرائب وجبايتها لها، مع الولاة والحاميات العسكرية التي انفتحت ابتداء من أواخر القرن السادس عشر على السكان المحليين، وتعاطى بعض أفرادها التجارة والتزام الضرائب عن المقاطعات. وهذا ما جعلها تدخل بصورة مباشرة في الصراعات الداخلية بحيث أصبحت جزءًا من العصبيات المحلية، تصطدم مع عصبيات وتتحالف مع أخرى، وذلك تبعًا للمصلحة التي تحددها مناطق الالتزام، وطرق القوافل والتجارة وما يمكن أن تدره هذه الأخيرة من مكوس". بناء عليه، كان الصراع صراعًا بين أجهزة السلطات العثمانية نفسها ومواقعها، "إنه إذا صح أن نسحب المفهوم الخلدوني إلى هذه الفترة، صراع من أجل نشوء ولايات الأطراف"، وفقًا لكوثراني. الظروف الدولية لبروز الحركة العربية في المبحث الثالث، "الظروف الدولية لبروز الحركة العربية وبرامج الإصلاحات اللامركزية في عامي 1912 – 1913"، يقول كوثراني إن صعود الاتجاه الطوراني التركي والانهيار شبه الكامل للدولة أمام الهجمة الاستعمارية الأوروبية في عامَي 1911 و1912، كانا يقفان سدًا في وجه الحركة المطلبية العربية لدى الأعيان والتجار ومثقفيهم، ويدفعانها إلى التوجه نحو بدائل غربية تمثلت آنذاك في مشروعين كبيرين: أحدهما فرنسي يقضي بجعل سورية الكبرى منطقة نفوذ فرنسي؛ والآخر إنكليزي أكبر طموحًا يقضي بإنشاء مملكة عربية، أو إحياء فكرة الخلافة العربية انطلاقًا من خديوية مصر أو أشراف مكة. وقامت القنصليات الأجنبية في المدن العربية أيضًا بدور مهمّ في متابعة نشاط الإصلاحيين العرب ورصد تحركاتهم وتوجيهها وفق مصالح الدول التي تمثلها كل قنصلية، علمًا أن الحركة المطلبية الإصلاحية التي برزت في المدن المشرقية في أواخر عام 1912 وبداية عام 1913 قدمت للسياسات الأوروبية معطيات واسعة لاستغلالها في سبيل مزيد من اختراق مجتمعات الدولة العثمانية وتفكيكها، لا سيما من خلال عناصر مرتبطة اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا بدوائر هذه السياسات. وثائق المؤتمر العربي الأول في القسم الثاني من الكتاب، يورد كوثراني بعض المراسلات الدبلوماسية الفرنسية حول المؤتمر وأوضاع سورية عام 1913، وبذيلها ثبت بمراجع دراسته والمراسلات. أما القسم الثالث، وثائق المؤتمر العربي الأول 1913، ففيه كتاب المؤتمر الصادر عن اللجنة العليا لحزب اللامركزية بمصر في عام 1913، ويضم فكرة المؤتمر التي تتلخص في إبلاغ الأجانب أن العرب يدرؤون عادية الاحتلال من أيّ دولة كانت ويحتفظون بحياتهم الوطنية، ومصارحة الدولة العثمانية بوجوب تطبيق الإصلاحات اللامركزية في بلاد العرب. كما يضم الكتاب أسماء الوفود المشاركة في المؤتمر، ومحاضر جلسات المؤتمر الأربع المنعقدة في الفترة 18-23 حزيران/ يونيو 1913، تشمل ما ألقي فيها من خطب، وما تُلي فيها من رسائل أرسلها العرب من كل أنحاء الدنيا إلى المؤتمر دعمًا وتهليلًا.صفقة ترامب – نتنياهو: الطريق إلى النص، ومنه إلى الإجابة عن سؤال ما العمل؟
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب جديد للمفكر العربي عزمي بشارة بعنوان "صفقة ترامب – نتنياهو": الطريق إلى النص، ومنه إلى الإجابة عن سؤال: ما العمل؟ والذي يتناول فيه، بالتحليل والنقد، ما عُرف إعلاميًا باسم "صفقة القرن". يقوم بشارة، في هذا الكتاب، باستعراض أهم المبادرات الأميركية لحل القضية الفلسطينية منذ عام 1967، ليبين الخطورة والمنعطف اللذين تمثلهما ما اصطلح عليه "صفقة ترامب – نتنياهو" الأخيرة، واللذين لا ينبعان من مضمونها نفسه فقط، بل كذلك من كون الصفقة طرحت باسم رئيس الولايات المتحدة الأميركية، الدولة التي احتكرت "رعاية" ما يُسمى عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين منذ توقيع ما عُرف بـ "اتفاق أوسلو" عام 1993. كما يفكك بشارة نقديًا نص المبادرة الأميركية، ويعالج المسار الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى هذه النقطة تحديدًا، ويطرح سؤال ما العمل؟ ويستعرض التغييرات التي طرأت على القضية الفلسطينية واستراتيجيات العمل من أجل العدالة في فلسطين. ويختتم بقسم خاص عن الرأي العام العربي الرافض لتطبيع دوله العلاقات مع إسرائيل. ويشتمل هذا الكتاب (172 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) على أربعة أجزاء نتطرّق إليها في ما يلي. نص إسرائيلي يميني بخطاب صهيوني- ديني في الجزء الأول، يقدم بشارة عرضًا مختصرًا للمبادرات الأميركية لحل القضية الفلسطينية، التي طُرحت منذ عام 1967؛ وذلك لتبيين أن "رؤية ترامب" تُشكِّل تغيّرًا أساسيًّا في الموقف الأميركي، من الانحياز إلى إسرائيل والتحالف معها إلى التماهي المعلن وغير المنضبط مع مواقف اليمين الإسرائيلي. ويركز العرض على مبادرة وليام روجرز في حزيران/ يونيو 1970، ومبادرة مستشار الأمن القومي الأميركي في إدارة الرئيس الأميركي جيمي كارتر، زبيغنيو بريجنسكي عام 1977، ومشروع الرئيس رونالد ريغان عام 1982، وإعلان الرئيس جورج بوش الأب رؤيته عام 1991، ومبادرة "خريطة الطريق" التي طرحها الرئيس جورج بوش الابن، وصولًا إلى مقترحات الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وفي عرضه للمبادرات، يشير بشارة إلى مواقف الدول العربية وإسرائيل تجاه هذه الخطط والمشاريع، ليكشف – عكس السائد – أن المواقف العربية تجاه هذه المبادرات كانت أكثر إيجابية، من موقف إسرائيل، الذي اتسم – في الغالب – بالرفض وعدم القبول. وينتقل بشارة إلى توضيح الكيفية التي طبقت بها إدارة ترامب "صفقة القرن" قبل إعلانها، مع التركيز على وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس مع الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وطرد بعثة منظمة التحرير الفلسطينية من واشنطن، واعتبار أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تعد انتهاكًا للقانون الدولي. ويعمل بشارة على تفكيك نص وثيقة "صفقة ترامب – نتنياهو" لتصفية القضية الفلسطينية، وتفنيد العديد من المغالطات الواردة في النص. ويرى أن "رؤية ترامب" كرست منطق القوة والإملاء المباشر على العرب. ولذلك، يعد سلوك بعض الدول العربية بعد الإعلان عن هذه "الرؤية"، بالإعلان عن تأييدها، سابقة خطيرة، تُشجع الإسرائيليين على تبنّي هذا المنطق والتمسك به. في حين تباينت الردود الأوروبية، التي ليس لها تأثير فعلي كما أثبتت الأحداث، ولا يمكن الاعتماد عليها إذا لم يجر العمل على بناء كتلة قوية مؤيدة للحقوق الفلسطينية في الرأي العام الأوروبي. كيف وصلنا إلى هنا؟ ينتقل بشارة في الجزء الثاني إلى الحديث عن التطورات الإقليمية التي قادت إلى أن تصبح الوثيقة بهذه الخطورة، بدايةً من تراجع المد القومي العربي منذ سبعينيات القرن الماضي، وتوقيع بعض الأنظمة العربية الصلح مع إسرائيل، وتوقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقًا للسلام مع إسرائيل، وصولًا إلى الانقسام الفلسطيني. ويرى بشارة أن الصراعات بين الأنظمة العربية أثرت في الموقف من قضية فلسطين بموجب التحالفات الدولية، كما تَحددَ الموقف منها بموجب حاجة الأنظمة إلى الشرعية التي تمثلها هذه القضية في الوجدان الشعبي. ثم يناقش بشارة في هذا الجزء التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والكيفية التي استغلت بها إسرائيل ما يحصل في فلسطين والمنطقة العربية بهدف توسيع الاستيطان وتكثيفه. ما العمل؟ في الجزء الثالث يتحدث بشارة عن الاستراتيجية المأمول أن ينخرط الفلسطينيون فيها، في أماكن وجودهم كافة في معركتهم ضد نظام الأبارتهايد العنصري. ويرى أن هذه الاستراتيجية تحتاج إلى درجة عالية من التنظيم والتنسيق، من دون التنازل عن خصوصية كل تجمع فلسطيني وطبيعة جبهة المواجهة التي يخوضها. فلا يجوز أن تكون جميع تجمعات الشعب الفلسطيني خاضعة لأجندات سلطة فلسطينية أو سلطتين، ومن هنا أهمية وجود قيادات محلية تتمتع باستقلالية بشأن قضايا قاعدتها الاجتماعية ومواطنيها، وإطار جامع يحدد الأجندات الوطنية الجامعة. الرأي العامّ العربي والقضية الفلسطينية توقف بشارة في الجزء الأخير من كتابه على اتجاهات الرأي العامّ بخصوص الصراع العربي – الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية. وأكد، بالاستناد إلى استطلاعات المؤشر العربي منذ عام 2011 إلى عام 2020، أن انحياز الرأي العربي هو إلى النظام الديمقراطي، وأن أهم المعضلات التي تواجه بلدانه هي معضلات اقتصادية تتعلق بالبطالة والفقر وتدهور المستوى المعيشي أو عدم الاستقرار السياسي أو غياب الأمان، وهو الرأي العام نفسه الذي يقف باستمرار مؤيدًا للفلسطينيين، ويعد القضية الفلسطينية قضيته، ويرفض الاعتراف بإسرائيل لكونها دولة احتلال، على عكس ما يُنسَب له ويشيع عنه من تصورات.الثورة الليبية: مساهمة في تحليل جذور الصراع وتداعياته
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب مصطفى عمر التير، الثورة الليبية: مساهمة في تحليل جذور الصراع وتداعياته، ويتتبع فيه الثورة الليبية منذ اندلاعها، محللًا أهم المتغيرات التي قادت إلى انطلاقها، والخطابات التي استخدمتها سلطات القذافي والثوار وأهميتها في تأجيج الصراع. كما يسلط الضوء على بعض أسباب الصراع الماثلة في الثقافة والتاريخ الليبيين، وخصوصًا دور القبيلة والولاء القبلي، والدور الذي أدّته دول الجوار والدول الإقليمية العربية وغير العربية، والدول الغربية الكبرى، في مساندة أطراف الصراع وتهيئة الأسباب التي قادت إلى التدخل الدولي. ولادة فاعتلال يتألف الكتاب (488 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من مقدمة و7 فصول. يتناول المؤلف في "المقدمة" تأثّر ليبيا بما يحصل في محيطها، وتمهيد الطريق نحو بناء أسرة القذافي الحاكمة، والعوامل العامة التي قادت إلى الثورة، والعوامل المباشرة التي أشعلتها. أما الفصل الأول، الذي جاء بعنوان "ما بعد الكولونيالية - الدولة الوطنية: مرحلتا الولادة والاعتلال المبكر"، فيتحدث فيه التير عن القبيلة في ليبيا بوصفها فاعلًا اجتماعيًا، ثم الحقبة الكولونيالية في ليبيا، ثم مرحلة الملَكية والحكم المدني أو مرحلة الولادة وفقًا لتصوره، ثم مرحلة الجمهورية الحكم العسكري أو مرحلة الاعتلال. وينتهي الفصل برسم خريطة الصراع الاجتماعي بين الحفاظ على السلطة والبحث عن التغييرين الاجتماعي والسياسي في ليبيا. ويسرد المؤلف، في الفصل الثاني، "الاستبداد والقهر الاجتماعي"، سيرة سيادة الاستبداد وبناء جدار الخوف بمراحلها المتعددة: إلغاء القوانين بهدف تفكيك المجتمع والدولة ومؤسساتها، وتنفيذ برنامج للقمع والتدجين بدَأ بالطلاب في المدارس الثانوية والمعاهد والجامعات وانتشر ليعمّ جميع فئات المجتمع، وبناء منظومة جديدة أطلق عليها "اللجان الثورية"، وتقوية أجهزة الأمن وتنويعها، وبناء سجون سيئة السمعة، وتنفيذ الاغتيالات وتفجير وسائل نقل عالمية ومحلات لهو عامة. انفجار البركان في الفصل الثالث، "تراكم مخزون الغضب والفرصة التاريخية لانطلاق الثورة"، يبحث التير في تراكم مخزون الغضب الشعبي ضد القذافي، في انتظار أن تحل اللحظة التاريخية، وفي لحظة انفجار بركان الغضب وانطلاق الثورة الشعبية، وانفجار البركان الذي قصده المؤلف "هو لحظة تحوّل البركان الساكن إلى ناشط، وهو تحوّل يحدث في كثير من الأحيان من خلال حالة ثورة فيها أصوات قوية مزعجة، وحمم نارية ومقذوفات صخرية، وأبخرة وغازات سامة، تتسبب في دمار على الأرض، وقتل الكائنات الحية، سواء أكانت نباتًا أم حيوانًا أم بشرًا". أما الفصل الرابع، الذي كان عنوانه "يوميات الثورة"، فيتتبع فيه المؤلف يوميات الثورة الليبية، منذ انطلاقتها في مدينة بنغازي. يقول: "بدأت الثورة قبل الموعد المحدد بيومين. وكما كان متوقعًا، انطلقت الشرارة من مدينة بنغازي، فواجهها النظام غاضبًا، وحاول وأدها في مهدها، لكنها انتشرت بسرعة وشملت أغلبية مدن البلاد وبلداتها. لم تستمر أيامًا معدودة كما في حالتي تونس ومصر، إنما استمرت شهورًا؛ إذ بلغ عدد أيامها، محصورة منذ بدايتها إلى اليوم الذي قُتل فيه رأس النظام، 246 يومًا". يقسم المؤلف هذه اليوميات إلى أربع مراحل: انطلاق الثورة، وتدويلها، ونشوب الحرب الأهلية، وأخيرًا انتصار الثورة ونهاية عهد القذافي. داخلية وخارجية في الفصل الخامس، "دور الفواعل الاجتماعية في انتشار الثورة واستمرارها"، يتناول التير بالدراسة دور كل من النخبة المثقفة في مدينتي بنغازي والبيضاء، ورجال الدين، ورجال القبيلة، وشباب التواصل الاجتماعي. ويسلط المؤلف الضوء، في الفصل السادس، "دور العامل الخارجي في تداعيات الحوادث"، على الدور الذي أدته العوامل الخارجية في تمكّن ثوار 17 فبراير من تغيير النظام؛ فلا يقصر العوامل الخارجية على تدخلات الدول الخارجية في التغيير، إنما يوسّع المفهوم ليشمل فاعلين آخرين كالإعلام، وخصوصًا المرئي، والصحافيين الذين توافدوا من مختلف بقاع العالم، والهيئات الدولية العربية وغير العربية التي أدت دورًا محوريًّا، وتدخلات دول الجوار العربية والأفريقية، ومجموعة الدول الغربية، تتقدمها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا. أما الفصل السابع، "نجاح الثورة ونهاية عهد"، فكان مجالًا يعرض فيه المؤلف نهاية القذافي، وإعلان انتصار الثورة وبداية العمل لتأسيس نظام حكم جديد في ليبيا، ثم قيام الحكومة الانتقالية، والمؤتمر الوطني العام وانتخاب الحكومة الموقتة.إشكالية الدولة في العالم العربي وتحول السلطة على أبواب الألفية الثالثة
صدر عن "سلسلة أطروحات الدكتوراه" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب هيثم فرحان صالح إشكالية الدولة في العالم العربي وتحول السلطة على أبواب الألفية الثالثة، ينطلق فيه مؤلفه من ارتباط الثورات العربية، بصفتها أحد معالم تحول السلطة، بتطور دور المعرفة التي تمثل بدورها أحد أبرز عناصر السلطة، ومن ثمّ مساهمة التحولات في العالم العربي وآثارها في حلّ إشكالية الدولة العربية على أبواب الألفية الثالثة. ويرتبط هذا الحلّ بسياق عالمي، شهد الجميع بعض تحولاته في دول أوروبية شرقية كثيرة، بعد انهيار جدار برلين، في ما يعدّ محاولةً لحلّ إشكالية الدولة ونماذجها الدكتاتورية والاستبدادية، وخصوصًا بعدما وصف باحثون كثيرون الثورات العربية بأنها "انهيار جدار برلين" عربي. يتألف هذا الكتاب (484 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من أربعة فصول، موزعة في قسمين. الدولة أو السلطة؟ في القسم الأول، "ثلاثية السلطة وإشكالية الدولة وطروحات ما بعد الحداثة"، فصلان. يضم الفصل الأول، "إشكالية الدولة أم إشكالية السلطة؟"، مبحثين: السلطة والدولة والعنف، والديمقراطية الناقصة. ويتطرق فيهما المؤلف إلى السلطة المؤسَّسة وارتباطها بفكرة الدولة، ومن ثمّ الفصل بين المؤسسة والأشخاص الذين يمثلونها. ويبحث في بعض المفاهيم، كالسيادة والأمة، وجدلية النظام والحركة، وارتباط السلطة بالمشروعية لتبرير العنف، والديمقراطية والمواطنة وإشكاليات المفهومين وتطبيقاتهما، من حيث إن الديمقراطية فكرة تطرح طريقة مثلى لتداول السلطة كما يُفهم منها، وذلك من خلال فكرة المواطنة، وقدرة المواطن/ الفرد على الانتخاب والتمثيل الصحيح في دوائر اتخاذ القرار، ومن ثمّ في السلطة وتداولها. يكتب صالح: "استطاعت البرجوازيات العربية أن تعبر العتبة الفاصلة من كونها برجوازية خاضعة لتصبح مشارِكة، كأي شريك في النظام الرأسمالي. ولا شك أن مشاركة البلدان العربية المصدرة للنفط هي مشاركة احتواء لا اندماج؛ فما زالت القوى الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية، غير الرأسمالية وما قبل الرأسمالية، علاوة عن التناقضات الناجمة عنها، تؤدي دورًا شديد التأثير، حيث إن البرجوازية العربية رغم أنها في مركز الاهتمام الإمبريالي، يجعلها من ناحية، لسيطرتها على سلعة استراتيجية (النفط)، برجوازية قوية على المدى القصير، وبرجوازية ضعيفة ومهددة على المدى البعيد، وذلك بسبب أن سيطرتها لا تستند إلى صناعة تنافسية، كما أنها تفتقر لقاعدة صناعية وعسكرية قوية، وهذا ما يجعلها أشد ضعفًا من مواجهة القوى الإمبريالية الكبرى". طروحات ما بعد الحداثة يدرس المؤلف، في الفصل الثاني، "تحول السلطة وطروحات ما بعد الحداثة"، ثلاثية السلطة وتطور دور المعرفة والتواصلية الكونية، وطروحات الحداثة وما بعدها. ويعرض طرح ألفين توفلر عن تحول السلطة أساسًا، واستعراض طروحات ما بعد الحداثة. كما يتطرق إلى شرح فكرة تحول السلطة عند توفلر، وطروحات التواصلية الكونية، وطروحات ما بعد الحداثة في السلطة وتحولاتها على الصعيد العالمي، وخصوصًا طرح مفهوم الإمبراطورية الجديدة وسيادتها، وفي الطروحات النقيضة لطرح توفلر، وما يفرض ذلك من تحديات على الدولة ومسألتها، ومن ثمّ إشكالياتها الجديدة. وفي هذا السياق، يقول صالح: "إن تعريف المجتمع المدني بأنه ناحية التفاعل الاجتماعي التي تتحرر نسبيًّا من الرقابة المباشرة للدولة، يمكِّننا من النظر إلى المجتمع المدني على أنه يقوم بتنظيم نفسه بشكل كبير من خلال فعاليات قانون الرأي والسمعة للوك، وأما الأخلاق العامة التي تنبع من قِبل هذه الفعاليات، فهي تقدم – من حيث المبدأ على الأقل - الأسس الأخلاقية التي ينبغي أن تقوم عليها شرعية الحكومة، وبالطبع فهي أيضًا الأسس التي ينشأ عنها النقد الأخلاقي للسلطة السياسية". أزمة الدولة العربية في القسم الثاني، "إشكالية الدولة العربية: تحول السلطة أم تغيير للأنظمة على أبواب الألفية الثالثة؟"، فصلان. يبحث صالح، في الفصل الثالث الذي جاء بعنوان "أزمة الدولة العربية على أبواب الألفية الثالثة"، في مفهوم العصبية من حيث هي بنية للمجتمعات العربية، ومسألة الاستشراق وعمل السلطة في المعرفة مع إشكاليات علاقة الثقافة بالسياسة، لما لها من تأثير في دراسة إشكالية الدولة في العالم العربي. كما يبحث في إشكالية الدولة العربية وآثارها على صعيد مفهوم السيادة والتمسّك بها في العلاقات العربية، وطريقة ممارستها في الدولة العربية أنموذجًا من دول العالم الثالث. إضافة إلى ذلك، يتطرق الباحث إلى طرح تحول السلطة بصفته مسألة ما بعد حداثيّة ستؤدي إلى طرح إشكاليات جديدة مرتبطة بفكرة تحول السلطة على صعيد عالمي وستعيد البحث في العالم العربي في مسألتي السلطة والدولة وارتباطهما بمفاهيم الحرية والديمقراطية معًا من منظور جديد، من حيث مدى ملاءمتهما الحداثة السياسية تاريخيًّا، المرتبطة بالصناعة كما في الدراسات السابقة، ومدى ملاءمتها لتحوّل السلطة على صعيد عالمي بصفته فكرة ما بعد حداثية متعلقة بعصر ما بعد الصناعة، كطرح جديد في الدراسات المستقبلية. وفي إطار تطرقه إلى هذه الإشكالية، يكتب صالح: "النظام العربي يتضمن نظامين؛ نظام دولاتي ونظام مجتمعي، حيث إن البنى الفوقية، أي الدولة والأنظمة العربية، لا تعبر أحيانًا عن البنى التحتية، أي عن الشعوب والمجتمعات العربية المختلفة، وما الثورات العربية إلاّ تعبير عن هذه المعضلة والإشكالية المتعددة الوجوه، حيث نرى ثورات الربيع العربي قامت في جانب منها بوجه ما تسعى إليه سلطة الإمبراطورية الجديدة أو سيادة العولمة، والتي حوّلت دولًا إلى مساحات رخوة وبلا حدود قومية، يبرّرها شعار واحد هو مقاومة الإرهاب، هذا الشعار المخيالي وغير المرئي، الذي يسمح بنشر سلطتها، والذي زادته زخمًا أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 ، فما وقع منذ 2011 من أحداث في العالم العربي هو تكذيب ميتافيزيقي لنبوءة الإمبراطورية: صحيح أنّ شعار العولمة قد انتصر على سيادة الدولة – الأمة بحدود كبيرة، فالأمة تحولت من حدود قومية للمواطن إلى حدود إجرائية للإنسان اللاجئ، وهو التعريف الجديد للفرد بلا دولة أو الذي سقطت دولته القومية". إشكالية الدولة العربية يطرح المؤلف، في الفصل الرابع، "إشكالية الدولة العربية وأزمتها وتحول السلطة على أبواب الألفية الثالثة"، بعض الإشكاليات في ما يتعلق بإشكالية السلطة وعلاقتها بالحرية والديمقراطية والتحدّيات المطروحة على الدولة العربية على أبواب الألفية الثالثة، وتحوّل طبيعتها، وارتباط ذلك بإشكالية الدولة في العالم العربي، وكيف يتضارب ذلك أو يتوافق مع سلطة الدولة في العالم العربي، وهل سيؤدي تحول السلطة إلى تغيير في طبيعة إشكاليات الدولة في العالم العربي، واستطرادًا إشكالية سلطتها؟ لبحث تلك الإشكاليات، يتطرّق الباحث إلى حرية التعبير في التحولات العربية على أبواب الألفية، ثمّ يبحث في تحول السلطة وحدود الحرية والنظرية الديمقراطية، وفي إشكالية الدولة العربية ما بين الحداثة وما بعدها، وفي إشكالية المجتمعات العربية ومستقبل الدولة القومية. ويوضح صالح ذلك بقوله: "أدت العولمة إلى قيام واقع جديد فرض التزامات جديدة على الأفراد نحو الدولة - الأمة، بل ونحو العالم أجمع، وذلك في الوقت الذي تراجع فيه دور الدولة - الأمة، كما تراجع تأثيرها نتيجة تأثيرات العولمة التي تتجاوز كل التنظيمات والنظم الوطنية، فالأفراد عرضة لتأثيرات أحداث تتم على نطاق عالمي، كما هم في الوقت ذاته عرضة لتأثيرات على مستوى وطني محلي، وهذا ما يفرض التزامات، ويطرح إشكاليات متعددة؛ فالعالم يشهد تأثيرات العولمة التي تحمل نذرًا من التفكك والفوضى والاضطراب، ذلك بأنّ المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه العالم اليوم هي أكثر تعقيدًا بكثير من أن تجد لها حلًا، كما أنّ الكثير من رجال السياسية والاقتصاد يعلقون على ذلك فشلهم وعجزهم عن التغلب على الصعوبات التي تواجه مجتمعاتهم وشعوبهم، بمعنى أنّ العولمة أصبحت هي المشجب الذي يعلق عليه رجال السياسة والاقتصاد فشلهم".يافا.. دم على حجر: حامية يافا وفعلها العسكري: دراسة ووثائق
صدر عن سلسلة "ذاكرة فلسطين" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب بلال محمد شلش يافا.. دم على حجر: حامية يافا وفعلها العسكري – دراسة ووثائق، وهو دراسة تاريخية تحليلية مفصلة في جزأين. عرض الجزء الأول ما لم يُروَ من قبلُ من تاريخ يافا خلال حرب عام 1948 بتوثيق يومياتها، وتتبع خط سير مقاومتها المسلحة؛ منذ بداية تكوينها، ومع تحولات بنيتها، حتى انهيارها وتفككها، في حين يقدم الجزء الثاني وثائق تنوعت بين رسائل وتقارير وتعميمات، وتصريحات وبيانات، وشكاوى ومطالبات، وسجلات تضم قوائم بأسماء مجاهدي حامية يافا وشهدائها، مع عرض يومي لمجريات المعارك التي خاضتها على مدى ثلاثة أشهر، مرفقة بقراءة تحليلية للوقائع. يتألف الجزء الثاني من الكتاب (796 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا)، من ثلاثة فصول، تضم وثائق حامية يافا. في الفصل الأول، يوميات جيش حماة الأقصى/ حامية يافا، تقارير الموقف اليومي ضمن تصنيف زمني، بحيث يطّلع القارئ على يوميات الجبهات العشر على نحو متواصل. حُذفت من الوثائق مقدماتها، وأُعيد صَوغها زمنيًا لتصبح كأنّها مَصُوغة في اليوم المسجلة مواقفُه. وذُيّلت نصوص الموقف اليومي الخاصة بالجبهات بهوامش ضُمّنت بعض المواد المسجلة في تقرير الموقف؛ كتفصيلات الذخيرة المستهلكة والمطلوبة التي كانت تُضمّن أحيانًا في متن التقرير أو تُسجّل في ملحق، وبعض الشكاوى المتعلقة بشؤون التسليح والتموين والمجاهدين، إلى جانب ملاحظات استُخرجت من مصادر أولية عربية وصهيونية وبريطانية. في الفصل الثاني، مختارات وثائقية، أُدرجت الوثائق كما هي من دون تعديل، بعد تحريرها لغويًا. أما في الفصل الثالث (الفصل الأخير)، قوائم المجاهدين والشهداء، فسُجّلت قوائم بأسماء مجاهدي الحامية، وقائمة بأسماء شهدائها، استُخرجت من وثائق الحامية وتقارير الموقف اليومي وقوائم المجاهدين وقوائم الرواتب. ختم شلش كتابه بفصل قصير، كخاتمة: أمل، كتب فيه: "قدّم هذا النص، بدراساته الثلاث ومواده الوثائقية، محاولة أولية لدراسة تجربة حامية يافا (كانون الأول/ ديسمبر - نيسان/ أبريل 1948)، لكن هناك الكثير من الأسئلة المتعلقة بتأريخ تجربة يافا العسكري ما زالت قائمة، كما تجربة كل قرية ومدينة فلسطينية، التي كان لكل حالة منها في معظم الأحيان خصوصية". ثم أضاف قائلًا: "الأمل أن يفتح هذا النص بدراساته ووثائقه الباب أمام دراسات أخرى تنتقده وتصوّبه، وتستكمل تأريخ تجربة حامية يافا خلال الحرب، وتعيد طرح النقاش حول الكثير من المسلمات المرتبطة بتأريخ تجربة يافا خصوصًا، وتأريخ الحرب عمومًا".مختارات سياسية من مجلة "المنار" لرشيد رضا
في كتاب مختارات سياسية من مجلة "المنار" لرشيد رضا، الصادر عن سلسلة "طي الذاكرة" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يستعيد المؤرخ والأكاديمي اللبناني وجيه كوثراني نصوص رضا المنشورة في مجلته المنار بصيغة مختارات سياسية وموضوعات ومواقف في مرحلة تاريخية حاشدة بالحوادث، محاولًا تقديم مادة أولية تساعد في كشف مراحل تكوّن فكر رضا، بصفته فقيهًا مشبعًا بالثقافة الإسلامية التقليدية الرسمية، ومواجهته حوادث وتحديات كان من شأنها أن تهز القناعات والمسلَّمات الموروثة، وأن تفرض أمرًا واقعًا يستدعي التكيف مع حاجات جديدة، نتجت من تحديات التوسع الرأسمالي الغربي ومشروعاته في مرحلة الإمبريالية. فقيه يبحث عن دولة يتألف الكتاب (304 صفحات بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من مقدمة وثلاثة فصول. في المقدمة، "رشيد رضا فقيه يبحث عن دولة زمن أفول العثمانية"، يتناول كوثراني نشأة رضا ومصادر ثقافته وتأسيسه المنار، ومواقفه السياسية من خلال نصوص مختارة. فـالمجلة رافقت حوادث حوالى أربعين سنة من التاريخ العربي، شكلت مرحلة انهيار الدولة العثمانية وبروز الصيغ العربية البديلة للدولة في ضوء أشكال التبعية للرأسماليات الغربية ونماذجها الدستورية والسياسية والثقافية. يتناول كوثراني في مقدمته للكتاب مواقف رضا في التعليم والإصلاح والأخذ عن الغرب، وفي الهيمنة الاستعمارية والاستقلال والمقاومة، وفي الدولة العثمانية والاتحاديين، وفي جمعية الشورى العثمانية وحزب اللامركزية الإدارية العثماني، وفي العصبية العربية وتبرير ثورة الشريف حسين من موقع الفقه الإسلامي الرسمي، وفي المسألة السورية والنزعة اللبنانية، وفي الصراع بين الشريف حسين وعبد العزيز بن سعود. إسلام وتعليم وأوروبا في الفصل الأول، "الإصلاح والإسلام والتعليم وأوروبا"، يورد كوثراني ستة نصوص، هي: الشيخ محمد عبده: عنوان الفصل السابع من تقرير اللورد كرومر عن مصر والسودان لسنة 1905، وتعليق رشيد رضا عليه؛ التعصب وأوروبا والإسلام؛ منافع الأوروبيين ومضارهم في الشرق: الاستبداد؛ كتابان سياسيان للأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (أو مطالب مصر من إنكلترا)؛ رأي الأستاذ الإمام في السياسة (أو سياسته)؛ خطاب صاحب "المنار" على طلاب الكلية الأمريكانية المسلمين في بيروت. في هذا الخطاب، مثلًا، وبحسب ما كتب كوثراني في مقدمته، شدد صاحب المنار على أهمية التعلّم من أمم الغرب للقيام بالمهمة نفسها؛ فهو يقول: "فعلى هذا يجب علينا أن نبدأ بنشر العلم والقيام بالأعمال النافعة في أمتنا ومملكتنا، وأن يقدم أهل كل بلدة خدمة بلدهم الذي يقيمون فيه على غيره من بلادهم، ثم نفيض بعد ذلك من علومنا وأعمالنا النافعة على غيرنا من الأمم على الوجه الذي سبقتنا إليه الأمم الحية في هذا العصر، وأمامكم العبرة في المدرسة التي تتعلمون فيها". عرب وترك يُدرج كوثراني طي الفصل الثاني، "الدولة العثمانية والعلاقات العربية – التركية وإعلان الدستور"، أربعة نصوص لرضا، هي: إعادة القانون الأساسي ومجلس المبعوثان في الدولة العلية؛ عيد الأمة العثمانية بنعمة الدستور والحرية، الجمعة 25 جمادى الآخرة (11 تموز "يوليو")؛ العرب والترك (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا)؛ رحلة صاحب "المنار" في سوريا. يكتب كوثراني في ذلك: "ما كان رشيد رضا يصوغ موقفًا من مسألة سياسية حتى تبرز مسألة أخرى؛ فالدعوة إلى محاربة استبداد السلطان عبد الحميد على قاعدة حكم الشورى في الإسلام وجدت في الانقلاب العثماني في عام 1908 مجالًا رحبًا للتوسع فيها، وعقْد آمال عريضة على الحياة الدستورية التي بشّر بها الانقلابيون. لذلك، نرى رشيد رضا يلتحق بهذه الموجة العارمة من التفاؤل التي عمّت أوساط الحركات الإصلاحية في العالم الإسلامي، فيكتب المقالات ويلقي الخطب ويدعو للحكم الجديد والرابطة العثمانية القائمة على الدستور. يقول: ’في هذا اليوم (عيد الأمة العثمانية بنعمة الدستور والحرية) أحس العثمانيون بأنهم أمّة لهم حقوق على دولتهم، ومصالح يقوم عليها بناء وحدتهم، وعليهم فروض وواجبات يؤدونها لحكومتهم، ولهم قانون يساوي بينهم في معاملاتهم، وإن لهم بذلك جنسية جامعة لهم على اختلاف انتسابهم ولغاتهم، وتباين مذاهبهم ودياناتهم‘". في استقلال الحجاز في الفصل الثالث، "المسألة العربية وثورة الشريف حسين"، ثلاثة نصوص لرضا: المسألة العربية: مقالة للتاريخ؛ آراء الخواص في المسألة العربية واستقلال الشريف في الحجاز؛ تأسيس حكومة مكة وخطبة رشيد رضا في منى. يرى كوثراني أن موضوع الاستقلال عن الأتراك بالنسبة إلى رشيد رضا، يبقى مرتبطًا بمسألة الأمانة التاريخية للإسلام: حمايته وإنشاء دولته. فإذا كان الاتحاديون الملاحدة (على حد قول رضا) قد خانوا الإسلام ونكلوا بالعرب، وما عاد بالإمكان الرهان عليهم، فإن مشروع الشريف حسين يقدم لرضا، في عام 1916، إمكانية المشروع البديل في حال سقوط الدولة العثمانية. يقول رضا في خطبته في منى، وكان الشريف حسين قد أعلن الثورة واستقلال الحجاز عن الدولة، ما يأتي: "لكن العمل لإنقاذ الدولة نفسها من الخطر قد أصبح فوق طاقته وطاقة غيره، فرأى أن يبدأ بالمستطاع، وهو إنقاذ الحجاز، مهد الإسلام ومشرق نوره، ممّا نزل به من البلاء والشقاء، ثم إنقاذ غيره ممّا يمكن إنقاذه من البلاد العربية، ليكون ذلك بيئة لحفظ الاستقلال الإسلامي وعدم زواله ممّا يُخشى ويُتوقع أن يحل بالدولة العثمانية والعياذ بالله تعالى". يضيف رضا مبررًا استقلال الحجاز: "لا يغيب عن أذهانكم أنه لولا إعلان هذا الاستقلال لترتّب على سقوط الدولة العثمانية وقوع حرم الله تعالى وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم غنيمة في أيدي الدولة الفاتحة. فإن تركوهما بعد ذلك لنا، كان لهم منّة التصدق بهما علينا، وإلا كانا تحت سيادتهم والعياذ بالله تعالى. وبهذا يتبين لكم أن هذا العمل العظيم، الذي قام به هذا الزعيم العظيم، قد أنقذ الحرمين الشريفين وما حولهما من هذا الخطر الجسيم، ووضع أقوى أساس لحفظ الاستقلال الإسلامي بإنشاء دولة جديدة له". سورية ولبنانية في الفصل الرابع، "المسألة السورية والنزعة الإقليمية اللبنانية"، خمسة نصوص لرضا: المسألة السورية والأحزاب؛ الرحلة السورية الثانية؛ الحكومة السورية الجديدة: أجمهورية تكون أم ملكية؛ الجنسية اللبنانية وغلو طلابها؛ لبنان الكبير وطن مسيحي (هكذا يقول بطرك الموارنة الزعيم الديني السياسي). بحسب كوثراني، بعد تحجيم حسين في الحجاز، استمر رضا في البحث عن الدولة البديلة التي تنقذ الإسلام، "لذلك، نراه ينضم إلى الحركة العربية السورية في بلاد الشام بقيادة فيصل. لكن هذه المرة من دون أن يبني أوهامًا كبيرة حول مشروع الدولة العربية السورية. وعلى الرغم من انتخابه رئيسًا للمؤتمر السوري في عام 1919، نلاحظ أن لديه ترددًا في الالتحاق بهذا المشروع، وأنه يشعر بشيء من الحرج في ترؤسه المؤتمر". كذلك، بقي رضا معارضًا أي نزعة انفصالية لبنانية – طائفية منذ بدأت الحركة المطلبية التوسعية لمتصرفية جبل لبنان في أواخر العهد العثماني دعوتها الانفصالية (دعوة البطريرك أنطون عريضة) عن الحركة الاستقلالية العربية في سورية، مرورًا بمطالبة البطريرك إلياس الحويك بدولة لبنان الكبير تحت الوصاية الفرنسية بعد الحرب الأولى. يعلّق رضا على حديث البطريرك عريضة "لبنان وطن مسيحي": "يا حسرة على لبنان، كان متمتعًا باستقلال عديم المثال، فسلبته منه الأم الحنون وجعلته شر آلة لسلب استقلال سورية كلها، وأبناؤه البررة لها لا يشعرون، فلا قومية ولا وطنية ولا سياسة ولا إدارة، فأين ما كانوا يدعون؟". بين حسين وعبد العزيز في الفصل الخامس والأخير، "الهاشميون وعبد العزيز بن سعود"، نص وحيد: الخطر على الحجاز وعلى الإسلام. عن هذا النص، يكتب كوثراني في مقدمة الكتاب: "كانت المخططات الاستعمارية في المنطقة قد انكشفت كليًا ونفذت مشروعات الاحتلال الأجنبي بصفة انتدابات. وبان لرشيد رضا انخراط الشريف حسين وأبنائه في المخططات الإنكليزية وإقامة الإمارات والدول تحت الإشراف الإنكليزي. ويجيء صعود عبد العزيز بن سعود في نجد مجددًا لواء الدعوة الوهابية، مشجعًا على الانقلاب على الشريف حسين. فيعتبر رشيد رضا المشروع الوهابي - السعودي مشروعًا إسلاميًا بديلًا بعد أن سقطت الدولة العثمانية وأصبحت حكومة الترك لا دينية، فيخصص في المنار المقالات الطويلة، ولا سيما في المجلدين 25 و26 (في عام 1925)، ليتصدى لدعاية الشريف حسين وأبنائه، ويدافع عن عبد العزيز بن سعود، داعيًا إلى طرد الشريف حسين وأبنائه من الحجاز". يدافع رشيد رضا عن إسلامية الوهابية في وجه اتهامها من الشريف حسين بالكفر. وبالنسبة إلى العصبية المؤهلة لاستلام السلطة، يرى رضا أن الشريف حسين وأولاده "ليس لهم قوة ولا عصبية في بلاد الحجاز ولا في غيرها من بلاد العرب"، وأن "جميع قبائل الحجاز القوية مشايعة لسلطان نجد عليهم، ولولا ذلك لم يستطع الوهابيون البقاء في الحجاز". ويرى كوثراني أن دعم رشيد رضا المشروع السعودي يبقى دعمًا "ينبع من قناعات الفقيه المسلم السنّي الرسمي، الذي يحرص على بناء الدولة الإسلامية ومركزتها وكما يفهمها".الحركات الاحتجاجية في المغرب ودينامية التغيير ضمن الاستمرارية
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب الحركات الاحتجاجية في المغرب ودينامية التغيير ضمن الاستمرارية، ويحلل فيه مؤلفه الحبيب استاتي زين الدين الحركات الاحتجاجية في المغرب علميًا، ليس باعتبارها ردات فعل جماعية على أوضاع سياسية واجتماعية معيّنة وبطرائق غير عنيفة فحسب، وإنما بوصفها ظاهرة سوسيوسياسية تعبِّر عن يقظة شعبية، وتكرِّس الحق في التعبير عن الرفض والاختلاف، وبلورة مواقف تجاه قضايا مختلفة، وممارسة الضغط السلمي على السلطة. المخزن والقبيلة والمستعمر يتألف الكتاب (524 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من ستة فصول وخاتمة. ينطلق المؤلف في الفصل الأول "زمن الاستئناس بالاحتجاج في ظل ثلاثية المخزن والقبيلة والمستعمر"، من مسلّمة جوهرية قوامها أن الحفر في ظاهرة الاحتجاج يفرض على الباحث العودة إلى التاريخ بوصفه دراسة رموز، قائمة حاليًّا ودالة على تلك الحوادث التي عاشها الإنسان في الماضي، سواءً أكانت هذه الرموز من منظور عبد الله العروي بقايا مادية أم نقوشًا أم شهادات شفوية. ولمّا كان الموقع الاستراتيجي للمغرب محطّ أطماع ومنازعات متنوعة، فلا غرابة ألا يسلم من محاولات الإخضاع والضغط الخارجي منذ القدم، بشكل ضاعف من مشكلات السلطة السياسية داخليًّا. إن هذه الرقعة الجغرافية التي بدت محدودة الإمكانات والموارد المالية، وشاحبة العطاء الفكري والحضاري وقتذاك، وجدت ساكنتُها في الاحتجاج، لحظة التفاعل مع السلطة المحلية المأزومة والاصطدام بقوة الاستعمار، السلاحَ الأنسب للتعبير عن الصمود والتحدي الممزوج بمجالات رمزية عدة تتقدمها العصبية التي تحولت من مجرد رابطة سيكولوجية اجتماعية في حالتها الكامنة أو الحادة، إلى وقود فاعل للمواجهة والمطالبة. احتجاج على التسلط فتسلط الاحتجاج في الفصل الثاني "من الاحتجاج على التسلط إلى سلطة الاحتجاج"، يكتشف زين الدين ما حظي به بعض الحركات الاحتجاجية من عناية وانتشار على المستويين الداخلي والخارجي، بفعل عوامل ترتبط بحدّة المواجهة والعنف المتبادل بين تيارات الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية، خصوصًا أن المغرب وجد نفسه غداة الاستقلال، ومنذ اللحظات الأولى لانسحاب الاستعمار، يعيش انشغالًا وتحولًا في تحمّل الدولة دورًا كان من مسؤولية المجتمع. لكنه مجتمع خضع لسيرورة تحديث عنيف وموجّه وغير مستقل تدفعنا إلى البحث في أوجهها ومفارقاتها ونتائجها على الدولة والمجتمع، وصولًا إلى فهم طبيعة التغير الذي مس الفعل الاحتجاجي بانتقاله من رفض الفاعل السياسي تمظهرات القهر والتحكم في السلطة وتوجيه دفتها خلال سنوات الاحتجاج الممنوع، إلى ظهور فاعلين جدد أكسبوا هذا الفعل سلطة رمزية لها القدرة على المساءلة والضغط والتنبيه إلى ضعف الاختيارات التنموية للحكومات المتعاقبة، على نحو يشير إلى ميلاد وعي جديد في إطار ما يمكن أن نطلق عليه المقاربة الانفتاحية على المعارضة في العقد الأخير من القرن العشرين، بضرورة بناء دولة المواطَنة، والتحرر من التبعية وإقرار الديمقراطية وتحقيق التنمية. تضمين قانوني وتمكين واقعي أما في الفصل الثالث وعنوانه "أشكال الممارسة الاحتجاجية وملامحها"، فيعتمد المؤلف آليتي التحليل والمقارنة لتبيان مختلف أشكال الممارسة الاحتجاجية وملامحها في أفق التحديد الدقيق لما هو مستقِرّ ومتجدِّد فيها. لكن المؤلف، في الفصل الرابع الموسوم "الاحتجاج السلمي بين التضمين القانوني والتمكين الواقعي"، يحاول تقريب مضامين النصوص القانونية المنظِّمة الحق في الاحتجاج السلمي على المستويين الدولي والوطني من ذهن القارئ، وتيسير فهمه مأزقَ المقاربة الأمنية التي تسلكها الإدارة في تدبير ثنائية الحق في الاحتجاج السلمي وواجب احترام النظام العام، موازاةً مع جعله يتنبه إلى صعوبات نجاح القضاء في مهمة التوفيق بين إكراهات السلطة ومستلزمات الحرية في ظل مجتمع تراهن ديناميته على إحداث التغيير في إطار الاستمرارية. ومن أبرز دلائل هذا الرهان ما شهده الفضاء العمومي من حركية ملحوظة منذ عام 2011، تزامنًا مع الحراك العربي. التغيير في سياق الاستمرارية يتطلع المؤلف في الفصل الخامس، "حركة 20 فبراير ورهان التغيير في سياق الاستمرارية"، إلى تشخيص محفِّزات الحراك المغربي وتداعيات عدوى انتشاره، بتعبير صامويل هنتنغتون، من خلال تسليط الضوء على السياق العام والخاص لبروز حراك "20 فبراير"، ومكوناته الأساسية، والمطالب التي انبثقت عنه، فضلًا عن الاستراتيجية التي نهجها النظام السياسي لمصاحبته واحتوائه، وردات فعل الحركة والمآلات التي بَلَغتْها إلى حدود عام 2017. كان يُنظر إلى هذا الحراك في البداية، على أنه احتجاجات تقليدية لا تخرج عن دائرة المألوف، لكن حدته واستماتته واستمراريته سرعان ما ضاعفت تخوف السلطات السياسية، وحذر المجتمع الدولي، وحجم التغطية والتداول الإعلامي والإلكتروني، واهتمام المراكز البحثية. والأهم أنه أوجب إعادة النظر في جميع النظريات الأكاديمية التي تحدثت عن الاستثناء العربي الذي حصَّن أنظمة الحكم فيها طوال الحقب الماضية، حتى اطمأنت إلى حالة الجمود السياسي داخل بلدانها، بالموازاة مع تجديد التساؤل حول خصوصيات فضاء ظاهرة الاحتجاج والشروط الذاتية والموضوعية التي تتحكم في اتساع مداها أو الحد من آثارها بالرجوع إلى التفسيرات التي أنتجتها السوسيولوجيا السياسية. في ضوء السوسيولوجيا السياسية وفي الفصل السادس، "الفعل الاحتجاجي في ضوء السوسيولوجيا السياسية"، يستعين زيد الدين بالتراكمات الفكرية للسوسيولوجيا السياسية، في مسعى إلى فهم هذه الظاهرة المتعددة الأوجه، مع الانتباه إلى الاختلافات النظرية، والانتقادات التي وُجِّهت إلى أطروحاتها، ومراعاة السياقات التي تتحكم في الفعل الاحتجاجي، خصوصًا أن الحقل التجريبي لهذه النظريات داخل المؤسسات الجامعية والمراكز البحثية في البلدان العربية، ومن بينها المغرب، ما زال بكرًا. يختتم المؤلف الكتاب بمراهنته على إثارة الانتباه إلى تطور الحركات الاحتجاجية، وما نجم عنها من تغيرات شملت تعبيرات الاحتجاج ومضمون رسالته، بالتزامن مع التحولات المتسارعة التي يشهدها المغرب، في سياقين؛ محلي ودولي متوترين ومتقلبين، وغايته في ذلك التنبيه إلى ضرورة التسريع ببلورة سياسات عمومية مندمجة ومتكاملة، من شأنها ضمان السِّلم الاجتماعي والاستقرار السياسي في الحاضر والمستقبل.رسالة الكلِم الثمان
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب رسالة الكَلِم الثمان للشيخ حسين المرصفي، حقّقه وقدم له خالد زيادة. صدرت هذه الرسالة في عام 1881، ويستعرض فيها المرصفي ثماني كلمات جرت على ألسنة الناس، فارتأى شرحها، وهي: الأمة، والوطن، والحكومة، والعدل، والظلم، والسياسة، والحرية، والتربية، من وجهة نظر عالم أزهري منفتح على الأفكار الجديدة. ومن خلال الشروح، يقدم تحليلًا للواقع المصري عبر نظرة نقدية تتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومثل جميع كتّاب تلك المرحلة، يركز على أهمية التربية بصفتها عامل نهوض، ويفرد لها الحيّز الأكبر من رسالته. ثماني كلمات في تقديمه الرسالة، يدرج زيادة ترجمة للشيخ المرصفي، ثم يتناول الرسالة نفسها مبيّنًا أنها تحاول، من حيث الشكل، أن تشرح معاني ثماني كلمات جارية على ألسنة الناس، لهجوا بذكرها في هذه الأوقات، "ويبدأ الشيخ مباشرة بشرحه للفظ ’الأمة‘ فيفرد له ما يقرب من اثنتي عشرة صفحة، ثم ’الوطن‘ فيعطيه أقل بقليل من اللفظ السابق. أما اللفظ الثالث، وهو ’الحكومة‘، فيعطيه خمس صفحات من الكتاب المكون من ثمانٍ وستين صفحة. ثم يُعطي لثلاثة ألفاظ هي: ’العدل‘ و’الظلم‘ و’السياسة‘ ما لا يزيد على نصف صفحة، أو اثني عشر سطرًا فقط. ثم يتحدث عن ’الحرية‘ في صفحتين: ويفرد بقية الكتاب (أي ما يقل عن نصفه بقليل) للفظ ’التربية‘، ويقسم الفصل المتعلق بالتربية إلى ثلاثة أقسام متفاوتة في عدد الصفحات". لا خطة واحدة يستنتج زيادة أن الكتاب "لا يجري على خطة واحدة من حيث ترتيب موضوعاته. كما أن المؤلف لا يلتزم عنوان الموضوع أو الفصل الذي يعالجه، بل يتطرق إلى موضوعات أخرى تجره هي ذاتها إلى موضوعات مختلفة. وليس لنا أن نعتقد بأن الكتاب هو فقط شرح لمصطلحات محددة، وإن كان العنوان الرئيس يوحي بذلك، بل الكتاب، إضافة إلى ذلك، محاولة للإجابة عن مسائل اجتماعية عامة وبيان كيفية إصلاحها". يلتزم الكتاب الفصحى؛ فالمرصفي بحسب زيادة "جعل مهمته تحسين أسلوب الإنشاء والكتابة العربية، لكن مع ذلك، نجد بعض تراكيب الجمل وبعض العبارات تقترب من العامية، مع بعض الألفاظ الدارجة، وهي غير كثيرة على العموم في مجمل الرسالة. ويمكن أن نعزو ذلك إلى طريقة التأليف التي تمت عبر إملاء النص، فجاء أسلوب الكتابة قريبًا من لغة المشافهة والمحادثة. ويتردد هذا الأسلوب على امتداد صفحات الكتاب، إضافة إلى أن المؤلف يستخدم أحيانًا أسلوب المجادلة، الأمر الذي يمكن تفسيره بأن وقت الإملاء قد ساده بعض النقاش". أثر خلدوني يجد زيادة في تحقيقه الرسالة تأثيرًا حاسمًا، في الشكل وفي المضمون، لمقدمة ابن خلدون، "هذا التأثير الذي طبع فكر الشيخ الأزهري حسين المرصفي وانعكس بوضوح على سائر الرسالة". فابن خلدون يقدم للمرصفي فكرةً عن انحطاط الدول ومنهجًا لتحليل انهيارها وتلاشيها. والدول التي يتحدث عنها في مقدمته هي وليدة المجتمع الإسلامي ذاته الذي يستجلي المرصفي أحواله على الرغم من تقادم الزمن. ويفيد المرصفي من تحليل ابن خلدون ليحلل فساد المجتمع المصري وانحلاله، "ويجد أن الفلاحين، شعب مصر، أو كما يسميهم العمال في الزراعة، كانوا واقعين تحت ضغط وإفساد ثلاث فئات هي: المماليك والعرب والعمد. ويستخدم تعبير (العرب) ليشير به إلى القبائل والعشائر، مبالغًا في تضخيم دورهم". وصف الواقع بلا تزيين بحسب زيادة، يقدم المرصفي في الكتاب تحليلًا للواقع المصري ينطبق على مجتمعات أخرى مشابهة من عربية وإسلامية، "وهذا التحليل الذي يقدمه ينطلق من حقائق الأمور: الفقر الشديد، والإرهاق الذي لحق بأوسع الفئات، وتسلط المتنفذين، وجهل ونفاق رجال الدين، فيعرض لنا تقريرًا عن واقع الحال دون تمويه أو تزيين". يكتب زيادة: "تتميز رسالة الكلم الثمان إذًا بواقعية صارمة ناتجة من تخلف أحوال البلاد والأعمال والأخلاق، ونابعة أيضًا من كونه ينظر بعدم الرضى إلى التطورات خلال حقب طويلة، ما اقتضى القبول بالأمر الواقع والحاكم الظالم والجباة العتاة وانحسار أرض الإسلام والابتعاد عن المعروف ومزاولة المنكر، لذلك يصف الشيخ هذا الواقع ويبرره تبريرًا منطقيًا، ويقبل بهذه السيرورة التي أملاها تعاقب الظروف، فيأمل بإصلاح الأحوال إصلاحًا لا يخرج عن النظام ولا يقود إلى الفتنة، فيقبل بعدم التكافؤ والتناصف، ويرفض الظلم الذي يؤدي إلى تعطيل الناس عن أعمالها وفشو الفساد والابتعاد عن الأخلاق". نقد للإصلاح يوجه المرصفي سهام نقده إلى جميع فئات المجتمع وطبقاته وطوائفه، وكل مجالات الأعمال والصنائع، وأشكال العلاقات السائدة بين الناس، من التسلط وغياب الإنسانية والجهل بالمصالح والجهل بالأخلاق. لكنه لا يرضى بالنقد من دون تحديد كيفية الإصلاح. يكتب زيادة: "لا بد بحسب المرصفي، من تحديد، بطريقة يسهل فهمها على الجميع، الطرائق والسبل التي من خلالها يمكن إصلاح الأمة. وبهذا الخصوص يمكن أن نميز لديه خطين يتقاطعان في مناسبات متعددة: الأول، يتوجه إلى الناس عامة في أمورهم وكيفية تصريفها وإصلاحها، والثاني يتجه إلى أهل الرأي والمعرفة والمربين؛ إذ يرى أن مهمته هي إصلاح مرافق الحياة جميعها، ولهذا نجده في انتقال مستمر ومتصاعد من الخاص إلى العام، ومن الجزئي إلى الكلي، ومن الأمة إلى الفرد. فهو حين يتحدث عن الوطن مثلًا، يجعله خاصًا وعامًا، ويسهب في شرح وتحديد كيفية إصلاح كل من الخاصة والعامة".ما بين الثورة والدبلوماسية
صدر عن سلسلة "ذاكرة فلسطين" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب ما بين الثورة والدبلوماسية للدبلوماسي الفلسطيني السابق خير الدين عبد الرحمن، الذي شغل منصب المفوض السياسي العام ومسؤول دائرة التعبئة الفكرية والتوجيه السياسي في القيادة العامة لقوات العاصفة، وممثل فلسطين وسفيرها في دول عديدة. ضم الكتاب (375 صفحة بالقطع الوسط موثقًا ومفهرسًا) عناوينَ غلب عليها الطابع المكاني، إذ رُبطت الحوادث بالأمكنة، ونُسّقت في مسار زمني يقدّم سردًا لتجربة المؤلف في العمل الدبلوماسي الفلسطيني، ليرسم من خلاله خطوطًا عريضة لملامح السياسة الفلسطينية وتحولاتها، وما اعترضها من مآزق وإخفاقات، وما حققته من إنجازات ومكتسبات. مكتب التعبئة والتنظيم يعرض الكتاب في بدايته الفترة التي عايشها عبد الرحمن في سورية، بعد انتقاله مع أسرته مهاجرًا من قرية لوبيا في فلسطين إلى لبنان، ومن ثم إلى دمشق، حيث تفتّح وعيه السياسي، فالتحق بحزب البعث الاشتراكي فور إعادة تشكيله في عام 1962، وتولى مسؤولية تنظيم الطليعة التقدمية الطلابية في جامعة حلب. كما شهد ثلاثة انقلابات في سورية؛ الأول في عام 1961، والثاني والثالث في عام 1963، ليتفرغ بعد الانقلاب الأخير للعمل الحزبي، ويتولى إدارة مكتب صحيفة البعث في حلب، الصحيفة اليومية لحزب البعث الاشتراكي، إضافة إلى عمله في إذاعة "حلب". ينقلنا الكتاب إلى مرحلة جديدة من حياة المؤلف، بالتحاقه بصفوف حركة فتح فور إعلان انطلاقتها في عام 1965، ليعمل فيها مراقبًا ماليًا مركزيًا، ثم مشرفًا على تنظيم العمال التابع للحركة، ومسؤولًا عن إذاعة "صوت العاصفة" و"صوت فتح" في القاهرة في عام 1969، ثم مسؤولًا عن إذاعتها البديلة التي كانت تبث من مخيم برج البراجنة في لبنان، ليعود بعد حوادث أيلول/ سبتمبر في الأردن إلى دمشق ويتولى رئاسة تحرير صحيفة فتح التي كانت تصدر هناك. بدأت رحلة العمل الدبلوماسي لخير الدين عبد الرحمن، كما يروي الكتاب، حين تولى مسؤولية مكتب التعبئة والتنظيم التابع لحركة فتح في عام 1971، فأُسندت إليه في تلك الفترة مهمات دبلوماسية خارجية ترأس خلالها وفودًا فلسطينية إلى ليبيا والجزائر وتونس والمغرب، وعدد من الدول الإسكندنافية وفيتنام والاتحاد السوفياتي. ثم كان أول تكليف له بتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية حين عُيّن سفيرًا لها لدى السودان في عام 1973. العلاقات الفلسطينية – الأفريقية في سياق تجربة المؤلف، يأخذنا الكتاب في جولة في القارة الأفريقية، ليقدم لنا من خلالها صورة مقربة لطبيعة العلاقات الفلسطينية – الأفريقية، مقابل العلاقات الإسرائيلية – الأفريقية. ويعرض نماذج للمعارك السياسية التي كانت تخوضها المنظمة في أهم معاقل النشاط الاستخباراتي الصهيوني، كما كان الحال في كل من كينيا وإثيوبيا وزائير وغيرها، ومساعيها المبذولة في سبيل التعريف بالقضية الفلسطينية ومحاولتها كسب التأييد لها. يعرض الكتاب صورة للتمثيل الدبلوماسي الفلسطيني الخارجي ضمن سياقين؛ الأول يتناول مشاركات الوفود الفلسطينية في المؤتمرات الدولية، منها مؤتمرات القمة الأفريقية، ومؤتمرات القمة العربية، ومؤتمرات أخرى مختلفة، مثل مؤتمر قمة دول عدم الانحياز في الجزائر (1973)، والمؤتمر التحضيري للتضامن مع الشعوب العربية والأفريقية (1978)؛ والثاني يتناول تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في كل من السودان وإثيوبيا وباكستان وسريلانكا وكينيا، وهي الدول التي شغل عبد الرحمن منصب سفير وممثل منظمة التحرير لديها. من جانب آخر، يقدّم الكتاب في ثنايا التجربة الخاصة بالمؤلف صورة للنظام السياسي الداخلي الذي ربما فرضه الظرف التاريخي على منظمة التحرير الفلسطينية، فهي من ناحية لها شكل ديمقراطي ينبذ العصبيات المناطقية والقبلية، ويصهر جميع الفصائل في بوتقة نضال واحدة، تدعو إلى الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، وتقدمها على المصالح الفردية الضيقة، لكنها من ناحية أخرى لا تلتزم مبدأ التشاركية في اتخاذ القرارات وتنفيذ الإجراءات، إذ يستأثر القائد العام بالرأي، ولا يعدو تعيينه المستشارين والمسؤولين سوى إجراء شكلي "لضمهم تحت جناحه" وفرض سيطرته عليهم. مواقف وحوادث يورد الكتاب مواقف وحوادث تعكس تقلباتٍ وعدم توافق في الصف الفلسطيني الداخلي، لم تقتصر على التحولات والانشقاقات وحالات التمرد التي شهدتها حركة فتح، وإنما بلغت أحيانًا حدّ ازدواجية التمثيل الخارجي، وتجاهل القرارات الصادرة عن اللجنة التنفيذية للمنظمة، بل بالذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، ثمة إشارة إلى محاولات فصيل دون غيره فرض هيمنته على الساحة، بالإقصاء أو بتوجيه الاتهامات إلى قيادات الفصائل الأخرى بزعم ارتباطها بمخططات وُصفت بـ "المعادية"، وأحيانًا بحماية حركات الانشقاق فيها. أخيرًا، يختتم المؤلف كتابه بحديث مستفيض حول الانزلاق الفلسطيني إلى مسار التسوية الذي بدأ بتولي عصام السرطاوي ومحمود عباس (أبو مازن) مسألة الاتصال بسياسيين إسرائيليين، بدعم وتسهيل من الملك الحسن الثاني في عام 1970، واستمر حتى اتفاق أوسلو في عام 1993.الجيش والسياسة في مرحلة التحول الديمقراطي في الوطن العربي
صدر عن سلسلة "دراسات التحول الديمقراطي" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب الجيش والسياسة في مرحلة التحول الديمقراطي في الوطن العربي، وهو نتاج أعمال الدورة الخامسة للمؤتمر السنوي لقضايا التحول الديمقراطي في الوطن العربي الذي عقده المركز بين 1 و3 تشرين الأول/ أكتوبر 2016 في معهد الدوحة للدراسات العليا. ويضم الكتاب (888 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) محاضرةً افتتاحية و22 بحثًا وُزعت في خمسة أقسام. في محاضرة افتتاحية بعنوان "الجيش والحكم عربيًا: إشكاليات نظرية"، قدّم الدكتور عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إطارًا نظريًا - تاريخيًا لأبرز قضايا العلاقة بين الجيش والسياسة وإشكالياتها على المستويات المؤسسية والسياسية والسوسيولوجية، منذ مرحلة ما قبل التنظيمات العثمانية وما بعدها في القرن التاسع عشر، مرورًا بالتجارب الانقلابية العسكرية في ما بعد الاستقلال في سورية ومصر والعراق، وما ارتبط بها من مشروعات وأفكار وتنظيرات وتبدلات جذرية في بنى الدولة والسلطة والقوة والثقافة، وصولًا إلى الانقلاب العسكري الأخير في مصر؛ ما وضع مجريات المؤتمر أمام تمهيد نظري شامل لأبرز محاوره. مداخل ومقاربات نظرية في القسم الأول من الكتاب، "مداخل ومقاربات نظرية"، خمسة فصول. في الفصل الأول من هذا القسم، "تحولات العقيدة الأيديولوجية للجيوش العربية: قراءة في الأدبيات والأطر النظرية العربية - الحالة المصرية"، يفكك خليل العناني العقيدةَ الأيديولوجية للنخب العسكرية العربية من أجل فهم طبيعة التحولات التي طرأت عليها منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي حتى الآن، مجادلًا بأن العقيدة الأيديولوجية أدّت دورًا مهمًا في المراحل الانتقالية. وفي الفصل الثاني، "بين عسكرة السياسة وتمدين العسكرية: نحو إطار نظري لمعالجة ’إشكالية الدولة المتخندقة‘"، يشخّص عبد الوهاب الأفندي ضعف أُسس التنظير في مجال العلاقة بين العسكري والمدني في الدولة الحديثة وهشاشته، ويعرض – نقديًا – للقضايا المحورية التي تشكّل أساس السجالات في هذا المجال في ضوء أوضاع العالم الثالث والمنطقة العربية، ولا سيما اختبار فرضيات أولوية المدني سياسيًا على العسكري، ثمّ العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ظلّت في عسكرة السياسة، والشروط اللازمة لتمدين الجهاز العسكري، وإخضاعه للسلطة الشرعية، وتأثير ذلك في فاعلية الهياكل العسكرية والأمنية جيش وسلطة وانقلابات يحلّل نوري دريس في الفصل الثالث، "الجيش والسلطة والدولة في الجزائر: من الأيديولوجيا الشعبوية إلى الدولة النيوباترمونيالية"، الأوضاعَ التي أدّت إلى احتلال الجيش قلْبَ الدولة والسلطة في الجزائر المعاصرة، وانعكاسات ذلك على عملية بناء المؤسسات السياسية والقانونية وتجربة الانتقال الديمقراطي، مستندًا إلى أطروحة ازدواجية السلطة في الجزائر: سلطة ظاهرة في المؤسسات الرسمية، وسلطة فعلية خفية في يد الجيش. وفي الفصل الرابع، "خطاب العسكر من الثورة إلى الانقلاب: دراسة استطلاعية في العلاقات المدنية – العسكرية"، يستطلع سيف الدين عبد الفتاح الخطابَ السياسي للعسكر المصري بعد الانقلاب السياسي، وطبيعته وبنيته وآثاره والمصالح الفئوية والنخبوية الاقتصادية والسلطوية التي يموّهها. وفي الفصل الخامس، "الانقلابات وتطور الوعي السياسي العربي"، يحلل ياسر جزائرلي العلاقةَ بين الجيوش والشعوب في الوطن العربي في إطار الوعي السياسي والفكري بتلك العلاقة؛ طردًا مع ظاهرة الانقلابات، وأثرها في تطور الوعي السياسي في المجتمع العربي. مداخل تاريخية ثمة فصلان في القسم الثاني الوارد بعنوان "مداخل تاريخية". في الفصل السادس من هذا القسم، "الأدوار المبكرة للعسكريين في السياسة"، يرصد خالد زيادة أدوار العسكريين المبكرة في الثورة العربية في عام 1916، وفي الدول الناشئة بعد الحرب العالمية الأولى. فهذه الأدوار مهدت لحقبة انقلابات عسكرية في الخمسينيات والستينيات - إضافة إلى أدوار العسكريين الذين شاركوا في حكم العراق في ظل الحكم الملكي والانقلاب المبكر الذي قام به ضابط في الجيش العراقي - وحصدت تأييدًا عربيًا واسعًا. وفي الفصل السابع، "أثر تسييس الجيش في الاستقرار السياسي في العراق (1921-2003)"، يبحث كمال عبد الله حسن والناصر دريد سعيد في ملابسات ظاهرة تسييس الجيش في العراق عبر ثلاث مراحل تاريخية، هي: المرحلة الملكية (1921-1958)، ومرحلة الجمهورية، ومرحلة سيطرة النخبة الحزبية المؤدلجة (حزب البعث) على الجيش والسلطة. جيش وميليشيات وشركات خاصة في القسم الثالث، "الجيش والميليشيات والشركات الخاصة الجديدة"، خمسة فصول. في الفصل الثامن من هذا القسم، "الجيش والفصائل غير النظامية في العراق: جدل الدولة والبديل الإثني"، يطرح علي عبد الهادي المعموري مسألة انبثاق الفصائل المسلحة غير النظامية وتعاظم دورها بالنسبة إلى دور الدولة في العراق. وفي الفصل التاسع، "إشكالية بناء جيش وطني موحّد في مجتمع منقسم مناطقيًّا: حالة الصومال"، تبحث سمية عبد القادر شيخ محمود في هذه الإشكالية - بعد حلّ الحكومة الانتقالية التشاركية في الصومال في عام 1991 - الناتجة من سقوط نظام محمد سياد بري، والمتمثلة بحلّ الجيش الصومالي وتسليم سلاحه ومقارّه لرجال الميليشيات الموجودة في العاصمة، راصدةً ما نتج من فوضى اجتماعية وسياسية وقبلية في الصومال. جيش عام وجيش خاص يبيّن بدر حسن شافعي في الفصل العاشر، "إشكالية العلاقة بين الجيوش الوطنية والشركات العسكرية الخاصة"، بروزَ الاهتمام بتشكيل هذا النوع من الشركات في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وتصور وظائفها في مجال العلاقات الدولية؛ إذ اعتمدت عليها الدول الكبرى كأحد الأدوات الفاعلة في تحقيق أهداف سياساتها الخارجية، وكأحد البدائل المتاحة من النظم الحاكمة في قمع المعارضة المسلحة، أو حتى أيّ تمرّد داخل المؤسسة العسكرية. وفي الفصل الحادي عشر، "العسكر ومعضلة التحول الديمقراطي: دراسة الحالة الليبية"، يدرس مصطفى عمر التير القضايا المتولدة من هذه المعضلة تاريخيًا؛ منذ حصول ليبيا على الاستقلال حتى سقوط النظام الليبي بقرار أممي فتح الباب أمام إمكانية بناء دولة مدنية ذات مؤسسات ديمقراطية. ولكنْ بدلًا من تطور ذلك، تدنّت ليبيا إلى مستوى الدولة الفاشلة إلى حدّ أنه يمكن وصفها بـ "حالة لادولة". ثم يتصدى سردار عزيز، في الفصل الثاني عشر، "البشمركة والعلاقة المدنية - العسكرية في كردستان العراق"، لنشوء البشمركة كقوات مسلحة شبه عسكرية في كردستان العراق. فالبشمركة قوّة يعترف بها الدستور الفدرالي العراقي، وقد أنتجت أدبًا غزيرًا - أو ارتبط بظاهرتها هذا الإنتاج - يركز على خصائصها الاستثنائية بطريقة تسمح بتحليل النظرة إليها. جيش وانتقال سياسي في القسم الرابع، "الجيش والانتقال السياسي - حالات دولية وحالات دولية مقارنة"، خمسة فصول. في الفصل الثالث عشر من هذا القسم، "القوات المسلحة وعمليات الانتقال السياسي"، يتناول زولتان باراني القوات المسلحة بوصفها مؤسسات سياسية مهمّة، وليس بوصفها مؤسسات يتركز نشاطها على الأمن والدفاع فحسب. ويرى أن عمليات الانتقال السياسي تمثّل مراحل حرجة بالنسبة إلى القوات المسلحة؛ لأنها مطالبة باتخاذ موقف ما متعدد الشكل والاحتمال منها. وفي الفصل الرابع عشر، "العسكر ودوره في التحول - العسر والتعثر الديمقراطي: ثلاث حالات دراسية"، يرى مهند مصطفى أن الدراسات السياسية المقارنة هي الأفضل إبيستيمولوجيًا لفهم قضايا التحول الديمقراطي، وأنها تهدف إلى تعميق فهم العلاقة بين المؤسسة العسكريّة والتحول الديمقراطي، أو العُسر، أو التعثّر، في النظم السلطوية، أو في النُظم التي مرّت بتحولات ديمقراطية، من خلال دراسة حالات متمثلة بتركيا وتايلند والأرجنتين. وفي الفصل الخامس عشر، "الجيوش والانتقال الديمقراطي: كيف تخرج الجيوش من السلطة؟"، يجيب عبد الفتاح ماضي عن السؤال: متى يضطر العسكريون إلى الخروج من السلطة؟ وينتهي إلى أن العسكريين لا يخرجون من السلطة من تلقاء أنفسهم، وإنما يُدفعون إلى ذلك دفعًا؛ إمّا لاقتناعهم بأن الحكم المدني سيضمن مصالحهم، وإما خوفًا من تعرضهم للمحاسبة والعقاب. عسكري ومدني في تركيا يرى أحمد أويصال في الفصل السادس عشر، "العلاقات المدنية - العسكرية خلال حقبة حزب العدالة والتنمية"، أن أتاتورك استطاع أن ينأى بالمؤسسة العسكرية عن السياسة الداخلية لتركيا خلال الحقبة الأولى من الجمهورية؛ ما مكّن من تبنّي الديمقراطية في تركيا، كما يرى أن الوضع تغيّر مع أوّل الانقلابات العسكرية في عام 1960، وأن تتالي الانقلابات أدى إلى أزمات اقتصادية وسياسية طاحنة، وهو أمرٌ مهّد الطريق لفوز حزب العدالة والتنمية؛ لأنه حزب غير مرتبط بالعسكر. ويتوقف مراد يشيلتاش في الفصل السابع عشر، "إعادة رسم العلاقات التركية المدنية - العسكرية بعد 15 تموز/ يوليو 2016"، عند تداعيات محاولة الانقلاب في تركيا، على الصعيدين السياسي والعسكري، مقدّمًا فهمًا للطبيعة المتحولة في العلاقة بين العسكر والحكومة المدنية في تركيا إبّان حكم حزب العدالة والتنمية، وصولًا إلى فشل الانقلاب الأخير - انطلاقًا من فكرة تحوّل الجيش - مركزًا على الإصلاحات الطارئة على المؤسسة العسكرية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وتبنّي عدد من الجنرالات والضباط سردية مضادة لسردية حزب العدالة والتنمية عن الانقلاب. جيش وتحول ديمقراطي في القسم الخامس، "الجيش والانتقال الديمقراطي في الوطن العربي - حالات مقارنة" خمسة فصول. في الفصل الثامن عشر من هذا القسم، "المؤسسة العسكرية في ميزان الثورتين التونسية والليبية"، يرصد العربي العربي دور المؤسسة العسكرية في المسار العامّ للثورتين التونسية والليبية، وموقع كلّ من المؤسّستين في رسم الخريطة العامة للمشهدين السياسي والأمني خلال الثورة، والإفرازات اللاحقة بالمشاهد المختلفة في الدولتين. وفي الفصل التاسع عشر، "الجيوش والتحول الديمقراطي في المنطقة العربية: دراسة مقارنة لدور المؤسسة العسكرية في تونس ومصر وسورية"، يقرأ حمزة المصطفى أهمَّ المساهمات النظرية في مسألة العلاقات المدنية - العسكرية، ويتساءل عن ماهية الاقترابات النظرية التي يمكن أن تشرح تباين مواقف الجيوش من الثورات في ثلاث حالات مختلفة، هي تونس ومصر وسورية. وفي الفصل العشرين، "الانقلاب العسكري بمنزلة عملية سياسية: الجيش والسلطة في السودان"، يبحث حسن الحاج علي أحمد أسبابَ تدخّل العسكريين في السلطة في السودان، ويتساءل: هل هي نتاج الاستقطاب السياسي المتزامن مع تسييس المؤسسة العسكرية؛ بالنظر إلى أن العسكريين أصبحوا امتدادًا للمدنيين داخل المؤسسة العسكرية؟ في المراحل الانتقالية يتناول محمود جمال في الفصل الحادي والعشرين، "الجيوش والانتقال السياسي: أبعاد تدخّل الجيش المصري في العملية السياسية بعد 25 يناير 2011"، دورَ الجيش المصري في عملية الانتقال السياسي في مرحلة ثورة 25 يناير 2011، متوقفًا عند ثلاثة محاور رئيسة، هي: مقدمات نظرية وتاريخية ترتبط بدور الجيوش في عمليات الانتقال السياسي، وتطور الوضعين الدستوري والقانوني للقوات المسلحة المصرية منذ الحقبة الملكية حتى ثورة 25 يناير، وإدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمرحلة الانتقالية بعد تنحّي مبارك وتأثير سياساته في نجاح العملية السياسية برمتها. أما في الفصل الثاني والعشرين (الفصل الأخير)، "أدوار الجيش في مراحل الانتقال في الجزائر"، فيوضح الطاهر سعود الدورَ المحوري الفعلي والدستوري لمؤسسة الجيش في الجزائر، ولا سيما بعد تحديد دور هذه المؤسسة في الدستور الجزائري بالدفاع عن سيادة الدولة وأراضيها.مذبحة التراث في الثقافة العربية المعاصرة
من التيار الماركسي إلى التيار القومي إلى التيار الفلسفي، ومن سمير أمين وتوفيق سلوم إلى زكي الأرسوزي ومحمد عمارة إلى زكي نجيب محمود ومحمد عابد الجابري، والتراث العربي الإسلامي مسرح لحرب بديلة لا تقلّ ضراوة وعمقاً عن تلك التي شهدتها الساحة الأيديولوجية في الستينيات... ومن هذه الحرب التي تتّخذ شعاراً لها: ماذا نأخذ من التراث وماذا نترك، يخرج التراث ممزّق الأوصال مشوّه المعالم مغرّباً عن ذاته بعد تمريره في غربال التقدّمية الطبقية تارة، والنقاء القومي طوراً، والتشريح العلموي تارة ثالثة. وهذا الكتاب يخوضها بدوره حرباً نقدية مريرة دفاعاً عن وحدة التراث وحقّه في التعاطي المعرفي معه بعيداً عن الأيديولوجيا وصراعاتها وإسقاطاتها. جورج طرابيشي (1939 - 2016) مفكّر وكاتب وناقد سوري. تميّز بغزارة مؤلّفاته وترجماته. له مؤلّفات مهمّة في الماركسية، والنظرية القومية، والنقد الأدبي للرواية والقصّة العربية، إضافة إلى "معجم الفلاسفة"، ومشروعه الموسوعي الضخم الذي عمل عليه أكثر من 15 عاماً وصدرت منه خمسة مجلّدات في "نقد نقد العقل العربي". من إصداراته عن دار الساقي: "هرطقات 1 و2"، "مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام"، "سلسلة نقد نقد العقل العربي".في تدبير القداسة: الحجابة والحجاب
يتناول هذا الكتاب العلاقة بين السلطة السياسية والمجتمع في السياق العربي - الإسلامي، من خلال موضوع الحجابة والسلطان المحتجِب عن رعيته، والوقائع المتصلة بالإقبال على أصحاب السلطة من خلفاء وملوك وسلاطين ووزراء وغيرهم، وانتظار الإذن بلقائهم، في فضاءٍ تعتريه ترتيبات معقدة، وإجراءات ضبط بالغة الصرامة والتطلب، تتولاها وتشرف على تشغيلها وحراسة طقوس الامتثال فيها خطة الحجابة وموظفوها الأكفاء المختارون بعناية وتفحّص شديدين. ثمة مستويان في العلاقة بين السلطة السياسية والمجتمع في فضاء الوقوف على أبواب السلطة: مستوى التوافق والوئام والقبول المتبادَل وتناغم المصالح والمنافع، ومستوى التوتر والرفض والتنازع والصراع. وبين هذين المستويين، يرصد الكتاب أشكالًا ممّا تقوم به السلطة من استلحاق وإغواء وترغيب، أو صدّ وإقصاء وتعال، وأشكالًا ممّا يفعله فاعلون محددون في المجتمع من خضوع وإذعان وتملق وبهجة ظَفر، أو تمرد واعتداد بالكرامة والأنفة وانكفاء إلى خارج فضاء الامتثال.المستقبل الأمني للقوة الأميركية في أفق عام 2025
يحلّل هذا الكتاب السيناريوات المستقبلية للبيئة الأمنية للولايات المتحدة الأميركية، والتحوّلات الحاصلة في بنية الدفاع الأميركي وقدراته في العشريتين المقبلتين، من خلال قراءة دقيقة في النشريات الرباعية للدفاع، وهي التقارير التي تصدرها وزارة الدفاع الأميركية كل أربعة أعوام، وتحاول من خلالها إرشاد صناع القرار والاستراتيجية الأمنية الأميركية إلى أهمّ التحوّلات والتهديدات التي قد تواجهها في 25 عامًا مقبلة. من خلال تحليل محتوى النشريات الرباعية للدفاع للأعوام 2006 و2010 و2014، التي تميّزت بالتركيز والتحليل الدقيق والعميق للتغيّرات والتحوّلات في البيئة الأمنية في استراتيجية الدفاع، ومحدّدات الحجم للقوات التقليدية، وبنية القوة خلال العشرية المقبلة، يسعى الكتاب إلى استشراف المستقبل ببناء السيناريوات وتقديم البدائل الممكنة لاستراتيجية الدفاع القومي الأميركي، وبنية القوى، وخطط التطوير، والبنية التحتية، والموازنات، محللًا مجمل التحديات الأمنية الأساسية التي ستواجه الولايات المتحدة الأميركية في المستقبل المنظور.قطر: دراسة في السياسة الخارجية
يبحث هذا الكتاب في السياسة الخارجية القطرية التي ظلّت، طوال سنوات خلت، عصيّة على الفهم في نظر كثيرين، وظلّ الغموض يكتنفها. مع ذلك، لا يمكن تجاهل الاهتمام المتزايد الذي تبديه الحكومات والمؤسسات التجارية الكبرى في العالم بدولة قطر، أو اهتمام النخب السياسية بها، على اختلاف مشاربها وانتماءاتها. فكيف تمكّنت هذه الدولة ذات الرقعة الجغرافية الصغيرة من ممارسة سياسة خارجية نشطة، وفرضت نفسها لاعبًا لا غنى عنه في فضاء السياسات الإقليمية والدولية؟ وكيف تحولت في عقدين من إحدى إمارات الخليج العربي حديثة الاستقلال إلى قوة إقليمية عربية فاعلة؟ وكيف تمكّنت من أداء دور أساسي في حل الصراعات، ودور الوساطة في عدد من بؤر النزاع في المنطقة؟ وماذا فعلت حتى تدفعنا إلى الحديث عن سياستها الخارجية؟ في إجابته عن هذه الأسئلة، لا يحسم الكتاب الجدل، بل يؤكد استمراره حيًا، وأحيانًا حادًا، في تفسير مصادر الدينامية التي تتصف بها السياسة الخارجية لدولة قطر.مُحدِّدات التحول الديمقراطي
ما هي مُحدِّدات التحول الديمقراطي؟ وهل العوامل التي تدفع بلدانًا نحو الديمقراطية تساعدها أيضًا في وقف الردَّة نحو الأوتوقراطية؟ يحاول هذا الكتاب أن يجيب عن هذين السؤالين بمزيج من تحليل إحصائي لمُحدِّدات تغير النظام الحاكم الاجتماعية والاقتصادية والدولية في 165 بلدًا في العالم بين عامي 1972 و2006، ودراسة حالة أُنجزت لتسع حلقات من التحول الديمقراطي الذي شهدته كلٌّ من الأرجنتين وبوليفيا وهنغاريا ونيبال والبيرو والفيليبين وجنوب أفريقيا وتركيا والأورغواي. وتشير النتائج إلى أن الديمقرطية تتعزز بقوى بنيوية بعيدة الأجل مثل الازدهار الاقتصادي، وكذلك بانتفاضات شعبية سلمية، والتركيب المؤسساتي لأنظمة الحكم السلطوية. مع ذلك، يمكن الجهات النخبوية الفاعلة أن تضطلع في الأجل القريب بدور أساس، ولا سيما من خلال أهمية الانقسامات داخل نظام الحكم. يحاجّ يان تيوريل ليثبت أن لهذه النتائج انعكاسات مهمة بالنسبة إلى كل من نظريات التحول الديمقراطي الحالية ومساعي المجتمع الدولي في تطوير سياسات لتعزيز الديمقراطية.الشيعة العرب
لا يتعدى عمرُ تعبير «الشيعة العرب» ربعَ قرن من الزمان. وكانت اللحظاتُ التي جرى استعمالُ هذا التعبير فيها لحظات احتدام سياسي في منطقة المشرق العربي وجواره، فكان التعبيرُ - من ثم - تعبيرًا سياسيًا، يبتغي أن يبيّن أن هؤلاء ليسوا جزءًا من جسم شيعي موحد، أو طائفة شيعية عابرة للحدود. وتحديدًا، كان المراد من تعبير «الشيعة العرب» تبيان أنهم ليسوا جزءًا من التصور النمطي الذي عمّمته إيران الإسلامية عن الشيعة. لذلك، كان أول من استعمل هذا التعبير عدد من الناشطين السياسيين الشيعة، بقصد حثّ الولايات المتحدة على أن تتبنّى الشيعةَ بوصفهم حلفاء. وقد كان «الشيعة العرب»، في كل ذلك، رهانًا، وكان تعبير «الشيعة العرب» يخفي وراءه رغبوية سياسية. أما تعبير «الشيعة العرب»، على نحو ما يُستعمَل في هذا الكتاب، فلا يتضمن غائية محددة، إذ يشير إلى مجموعة ذات هوية متمايزة، يستند حراكها الاجتماعي والسياسي إلى هذه الهوية، سواء كان هذا أمرًا واعيًا لدى هذه الجماعة ويعبّر عنه خطابيًا، أم لا. وما يحاوله هذا الكتاب - من ثم - هو إعادة هذا المفهوم إلى الفضاء الأكاديمي المحض.دور الأمم المتحدة تجاه الأقليات
لا يختلف وضع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر كقومية في دولة استيطانية عن أوضاع أقليات أخرى في العالم، فهم أهل البلاد الأصليّون، وتحولوا قسرًا من أكثرية إلى «أقلية» في بلدهم نتيجة ما ارتكبته إسرائيل من مجازر وقتل وتهجير قسري بحقهم، واضطرار عدد كبير منهم إلى النزوح إلى خارج أرض فلسطين. بقي جزء من هؤلاء الفلسطينيين في المناطق المحتلة في عام 1948، وتطبق عليه القوانين الإسرائيلية. يبحث هذا الكتاب في دور الأمم المتحدة تجاه الأقليات، منطلقًا من دراسة حالة فلسطينيي 48، ويتناول الأقليات ومفهومها ومراحل تطورها في عهد عصبة الأمم وميثاق الأمم المتحدة، مع التركيز على حقوقها العامة والخاصة، واهتمام منظمة الأمم المتحدة بحقوق الأقليات، وتطور أوضاع فلسطينيي 48 في إسرائيل تاريخيًا واقتصاديًا وتعليميًا وسياسيًا، إضافة إلى سياسة الأمم المتحدة تجاه حقوقهم.التيارات السياسية في إيران
صدرت عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الطبعة الثانية المنقحة والمزيدة من كتاب فاطمة الصمادي التيارات السياسية في إيران: صراع رجال الدين والساسة، تتناول فيه العقد الأول من عمر الجمهورية الإسلامية، ونشأة التيار الأصولي الإيراني، وولادة التيار الإصلاحي. كما تقدم فيه تعريفًا لما سُمي "الحركة الخضراء" في إيران، وتناقش عددًا من الطروحات التفسيرية بشأن حركة الاحتجاج الأكبر في تاريخ الجمهورية الإسلامية، باحثة في تأثير التيار الأحمدي نجادي، ونشأة تيار الاعتدال في إيران. بانوراما حزبية يتألف الكتاب (543 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من ثلاثة أقسام. في القسم الأول، إيران ما بعد الثورة: التنوع الذي قاد إلى الصراع، فصلان. في الفصل الأول، القوى والأحزاب السياسية - محاور الفكر والأيديولوجيا، ترسم الصمادي بانوراما حزبية – سياسية للمجتمع الإيراني، مصنفة القوى والأحزاب السياسية في ثلاثة تيارات رئيسة: القوى الإسلامية (أنصار الإمام الخميني وحزب جمهوري إسلامي)، فضلًا عن شبكة واسعة تتمركز في المساجد واللجان التابعة للحسينيات؛ ومنظمات اليسار العلمانية والدينية (حزب توده إيران ومنظمة فدائيي الشعب)؛ والاتجاهات الليبرالية (جبهة ملي إيران ونهضت آزادي). ترصد الباحثة في الفصل الثاني، خطاب الثورة وما بعدها، المراحل التي مر بها خطاب الثورة، وفقًا للأحداث التي مرت بها إيران، بدءًا بخطاب الدفاع المقدس، مرورًا بخطاب البناء وخطاب الإصلاحات، وانتهاءً بالخطاب الأصولي. تقول الصمادي: "ظهر الخطاب الأصولي كواحد من الخطابات الرئيسة في إيران، والذي تبلور بصورة واضحة خلال الأعوام الأخيرة، وتحديدًا مع ظهور علامات أفول الخطاب الإصلاحي وإخفاقه. وحتى لو كانت البنية الأساسية لهذا الخطاب موجودة منذ البداية، فإن إطلاق مصطلح أصولي عليها جاء ردًّا على التسمية الإصلاحية، حين أطلقت الحركة الإصلاحية على الجناح المنافس لها تسمية المحافظ". يمين... يسار في القسم الثاني، من اليمين إلى الأصولية ومن اليسار إلى الإصلاح، أربعة فصول. في الفصل الثالث، من اليمين التقليدي إلى الأصولية، تقول الباحثة إن جناح اليمين في إيران بقي واحدًا من فصيلين رئيسين في السلطة، وجاء نتيجة التطورات السياسية بعد الثورة الإسلامية. وفي مواجهته، وقف جناح اليسار، وظلت الساحة السياسية الإيرانية في الثمانينيات من القرن الماضي وحتى أواسط التسعينيات محكومة بأصل هذه المواجهة التي فرضت تغييرًا على تقسيمات التيارات والأطياف السياسية في إيران في النهج والخطاب والمسميات. في وقت لاحق، كان اليمين الإيراني الذي كان يسمى اليمين التقليدي يتحول في المسمى إلى الأصوليين. ومن رحم هذه التغييرات والتحولات التي شملت الخطاب وأسلوب العمل، ومن المواجهات التي اتخذت أشكالًا عدة، خرج التيار الأصولي في إيران، أو ما اصطلح على تسميته في الأدبيات العربية التيار المحافظ. تبحث الصمادي في الفصل الرابع، من اليسار الإسلامي إلى الإصلاحيين، في اليسار التقليدي واليسار الحداثي، وأبرز الأحزاب والجمعيات السياسية. تقول: "بقيت القيادة السياسية للحركة الإصلاحية تتحرك ضمن حدود الدستور والقانون، وهو ما جعلها أسيرة للفقه الفقاهتي المسيطر، ولم تبدِ من جانبها رغبة في كسر احتكار هذا الفقه للساحة السياسية. لعب الانحياز إلى هذا الخيار دورًا كبيرًا في الحيلولة دون تطوير المقولات المتعلقة بالمجتمع المدني، والتنمية السياسية والديمقراطية. ومع فشل التيار سياسيًّا، كان من الواضح أنه عاجز عن تقديم نظرية اقتصادية واجتماعية منسجمة، لقد صرف التيار الكثير من الجهد والوقت، ملاحقًا مقولة تعزيز المشاركة السياسية في وقت كان المجتمع الإيراني يتحدث عن أولويات أخرى، تضع الأمن والاقتصاد والرفاه والحريات الاجتماعية في مرتبة متقدمة على المشاركة". خُضر إيران وأحمدي نجاد في القسم الثالث، خارج ثنائية الأصوليين والإصلاحيين، ثلاثة فصول. في الفصل الخامس، خضر إيران... إشكالية التعريف والمعنى، تتناول الصمادي الحركة الخضراء في إيران، ومواضيع الخلاف بن الخضر والإصلاحيين، واحتجاجات مشهد. وتحت عنوان "الحركة الخضراء في ميزان النظام – ’الفتنة‘ ترتدي ثوبًا ثوريًّا مخمليًّا أخضر"، تقول المؤلفة إن التفسير الرسمي الإيراني للحركة الخضراء تجاهل البعد الاجتماعي الداخلي للاحتجاجات، ووضع ما حدث في باب الفتنة والثورة المخملية والعلاقات بالخارج والمخططات الأميركية التي تتضمن حربًا ناعمة على النظام في إيران. فالدعم الذي تلقته الحركة الخضراء من أميركا والغرب دليل يسوقه قادة الحرس الثوري لإثبات حدوث المواجهة الناعمة. في الفصل السادس، التيار الأحمدي نجادي... قريب من الأصوليين، بعيد جدًا منهم، تتناول الصمادي ظاهرة محمود أحمدي نجاد، وعهده الرئاسي، وعلاقته المتوترة بالنظام والحرس الثوري وصدامه أخيرًا معه. كما تتناول مهدوية محمود أحمدي، والخطاب الملتبس تجاه المرأة الإيرانية، والعلاقات بالولايات المتحدة الأميركية، ومغادرة أحمدي نجاد الشعبوي الرئاسة الإيرانية من دون أن يغادر الساحة السياسية في إيران. شبه خطاب! تتناول الصمادي في الفصل السابع والأخير، تيار الاعتدال... خطاب أم شبه خطاب، مصطلحي "اعتدال" و"تنمية" اللذين قام عليهما خطاب المعتدلين في إيران، فتورد محاولة المعتدلين تعريف الاعتدال وشرح التنمية، وجدال الأولويات في التنمية، ومحددات السياسة الخارجية المعتدلة، والسياسة الاقتصادية لتيار الاعتدال. وفي نقد تيار الاعتدال، تقول: "لعل الإشكالية الأساسية التي تواجه الطروحات التي يقدّمها تيار الاعتدال بوصفها خطابًا تكمن في كونها لا تحمل من الخصائص والمكونات التي تجعلها كذلك، خصوصًا إذا نُظر إلى الخطاب بوصفه نسقًا من المعاني المتسلسلة، والتي تتشكل من عناصر لغوية وغير لغوية مثل: الرموز والنسيج الاجتماعي [...] والتي يطرحها تيار أو مجموعة بهدف نشرها في المجتمع وحشد التأييد لها، وهو ما يوجد الضدية مع الخطابات الأخرى، وهذا التفاعل بين المعاني يُفهم في حقيقته كصراع بين الخطابات المتضاربة، حيث يسعى كل منها إلى فرض نظام المعنى الخاص به. وفي نظام المعاني هذا، دور العناصر اللغوية كالمقابلات والنصوص المكتوبة والخطب في منح شكل منسجم في شبكة المعاني وتجزئتها هو دور يحوز أهمية كبيرة".الموارد الطبيعية والنزاعات المسلّحة في أفريقيا جنوب الصحراء
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب الموارد الطبيعية والنزاعات المسلحة في أفريقيا جنوب الصحراء - مراجعة نقدية للباحثة فوزية زراولية، تطرح فيه سؤالًا محوريًا هو: كيف يمكن تفسير العلاقة السببية بين المورد الطبيعي والنزاعات المسلّحة في أفريقيا جنوب الصحراء وشرحها؟ للإجابة عن هذا السؤال، تسلط الباحثة الضوء على سلوكٍ واستجابات لمختلف الفواعل النزاعية المستفيدة من الموارد الطبيعية، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فوحدات التحليل مختلفة ومتداخلة بين الوحدات الجزئية كالفرد والحركات المسلّحة، والوحدات الكلية مثل الدولة والنظام الشامل. تدرس الباحثة هذه العلاقة السببية عبر المقاربات والمنظورات العلمية المعتمدة في الأوساط الأكاديمية، وتقدم مسحًا شاملًا للأسس النظرية لعلاقة المورد الطبيعي بالنزاعات المسلّحة استنادًا إلى المرجعيات القاعدية للباحثين والمتخصصين في هذا المجال، وبالاعتماد على الأمثلة الواقعية المقتبسة من حالات العنف السائدة في منطقة الدراسة. منظورات جزئية يتألف الكتاب (236 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من ثلاثة فصول. تعالج الباحثة في الفصل الأول، "المنظورات الجزئية لدراسة العلاقة بين الموارد الطبيعية والنزاعات الداخلية المسلّحة"، المنظورات الجزئية لتحليل العلاقة السببية بين المورد الطبيعي والنزاعات المسلّحة، ويتم التطرق فيه إلى منظور البنك الدولي الذي عرف باسم "فرضية السخط مقابل الطمع". وتهتم بدراسة أثر سلوك النهب والنزعة النفعية للحركات المسلّحة في الاستقرار الداخلي عبر قياس نسبة تبعية الدولة للموارد الطبيعية. يساهم التحليل الذي تقدمه الباحثة في عرض أهم الأدوات القياسية التي اعتمد عليها المنظور التحليلي والمتغيرات البحثية مع الاستدلال بالحالات الواقعية، حتى يتسنى للقارئ استيعاب فرضياته. تعرض الباحثة أهم الانتقادات الموجّهة إلى المنظور على مستوى التحليل المنهجي أو الأمثلة المعتمد عليها، وذلك بالعودة إلى أهم التحليلات الأكاديمية والتقارير والبحوث الدولية. كما تتناول الامتدادات البحثية لمنظور الطمع، والمتمثلة في تحليلات الجغرافيا السياسية التي تعكف على دراسة أثر المورد الطبيعي، لكن مع إدراج معايير أخرى في التحليل كجغرافيا المورد. ريع ونزاع في الفصل الثاني، "الريع والنزاعات المسلّحة الداخلية في أفريقيا جنوب الصحراء"، تقدم الباحثة مقاربة تحليلية مغايرة كليًّا لسابقتها، ألا وهي المقاربة الريعية. تكمن نقطة الاختلاف الأولى في وحدة التحليل، حيث تركز هذه الأخيرة على دراسة سلوك الدولة بدلًا من دراسة سلوك الجماعات المسلّحة. أما الاختلاف الثاني فيتمثل في أسس البحث في العلاقة بين المتغيرين، ففي حين ينظر الأول إلى المورد الطبيعي - النزاعات المسلّحة كعلاقة مباشرة، فإن الثاني يعالج مجموعة من المتغيرات الوسيطة التي قد تقود إلى المسار العنيف. تحاول الباحثة تجاوز صفة العمومية التي تكتسي أدبيات الدولة الريعية لتفادي الوقوع في التبسيط والتعميم السطحي بالعودة إلى أدبيات سوسيولوجية التنظيم السياسي حول الأنظمة السياسية الأفريقية جنوب الصحراء، وتسليط الضوء على حيثيات تطوّر الأنظمة السياسية الريعية. وهي قسّمت الفصل ثلاثة مباحث: يتناول الأول دور الريع في تعزيز النخب السارقة والانهيار المؤسساتي؛ ويدرس الثاني آليات التوزيع الريعية، التي تعدّ مهمة في دراسة الانقسامات الداخلية؛ في حين يسلّط الثالث الضوء على انعكاسات السياسة الريعية التوزيعية وسياسات النهب على المخرجات الكليّة للنظام. رأسمالية ونزاعات في الفصل الثالث والأخير، "القوى الدولية والنظام الرأسمالي والنزاعات الداخلية في أفريقيا جنوب الصحراء"، تعرض الباحثة دور النظام الدولي وسعي رأس المال الأجنبي إلى السيطرة على الموارد الطبيعية لا على الاستقرار الداخلي في أفريقيا جنوب الصحراء. وتحاول فهم مكانة السعي نحو تعظيم نفوذ الدولة القومية للقوى الدولية، والنظام الرأسمالي الشامل لتوزيع الثروة، وتنامي النشاط التجاري في تصعيد شدّة العنف أو اندلاع النزاع المسلّح. على هذا الأساس، قسمت الباحثة الفصل مبحثين: يتناول الأول دور الهيمنة الإمبريالية وتوسيع قوة الدولة القومية في انتشار العنف في المنطقة؛ ويناقش الثاني دور تنامي الاقتصاد العنيف وعلاقته بمسار العولمة الاقتصادية الغربية. يعتبر هذا الكتاب محصّلة بحث دام خمسة أعوام تناول دور الموارد القيّمة في دول أفريقيا جنوب الصحراء، تتبعت فيه المؤلفة النزاعات المسلّحة في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج، والتوترات في تشاد وأنغولا والكونغو-برازافيل، والمبادرات المتعددة الأطراف الهادفة إلى إعادة توجيه الموارد الطبيعية الأفريقية إلى القنوات التي تخدم التفاعلات السلمية في أفريقيا، وتعزز رفاهية المواطن الأفريقي. يجيب الكتاب عن تساؤل محوري: كيف يمكن تفسير العلاقة السببية بين المورد الطبيعي والنزاعات المسلّحة في أفريقيا جنوب الصحراء؟ وذلك من خلال تسليط الضوء على سلوك الفواعل النزاعية المختلفة المستفيدة من الموارد الطبيعية واستجاباتها، والمقاربات والمنظورات العلمية المعتمدة في الأوساط الأكاديمية، مع إدراج رؤية الباحثين العرب والأفارقة، وتقديم مسح شامل للأسس النظرية لعلاقة الموارد الطبيعية بالنزاعات المسلّحة، استنادًا إلى المرجعيات القاعدية للباحثين والمتخصّصين في هذا المجال، وعلى الأمثلة الواقعية المقتبسة من حالات العنف السائدة في أفريقيا جنوب الصحراء.