ميتة القمر ( عن كل الشواطئ. إذا أردت أن تكتب شيئاً عنا، فيجب الكلام عن كل الشواطئ، فكل ما تغفله سيضيع وكأنه لم يكن سوى ما قلت ) .. هكذا كانت نصيحة مسعود لابنه سامي.. أو الأحرى وصية.. ولم يكن يتوقع حيث وضع قلمه على الورقة مساء ذلك اليوم أن تلك الكلمات، ستكون أول ما يفجأه من ذاكرة متخمة حد الموت بشتى الحوادث والتفاصيل والأشياء الصغيرة، ولا توقع أنه سيذكر تلك المحادثة، فقد كان الإحساس عميقاً بوجود مطمورات عدة، ثمينة، في أعماقه. لم تكن تفصح عن ماهيتها بوضوح بل كانت تغلف ذاتها بنسيج من غموض وهالة من الاستفهامات لم تكن تزيدها سوى إثارة وإغراء لكشف كنهها، نسيج وردي مائل للبياض مع تموجات حول الأجزاء المتحركة أكثر من غيرها بغنج وتصنع باهرين على جسد مرمري أخذ من الشمس رائحة السمرة، فَصاغ مزيج اللونين ما يشبه إشراقة قمر فوق بيت أبيض ليلة صيف.. تماماً كما رأى سعاد ذات يوم.. تلك المخلوقة من طين ونار.. طين وليس من ثلج، فتعبير ( ثلج ) الكلاسيكي قد يناسب كل النساء.. إلا سعاد التي كانت من طين.. طين شاطئي تطوعه اليد فيغازلها بنعومة، حافراً فيها رائحة خالدة.. أو هو طين حر.. متماسك ناعم، رقيق، لدن، بض. قابل للتشكيل، لكن.. لا يلبث أن يعود طيناً، إلا إذا قتلت جذوة حريته، نار صبور، لا تعرف الملل .